" وصية إلى : نفس زكية .. و روح نقية .. و عقل راجح ذكي .. و فؤاد مؤمن صفي.."

"أي بني :

اثبت على دأبك الصالح.. و اسبح في فيوضات فكرك الفاسح.. و انسج خيوط يومك الفالح .. هم في أعماق الفكرة.. و لا تجثو بين أحداق النبرة.. قيض لنفسك الهمم.. و انفض غبار الغشاوة و الحمم.. لا تسق عيناك مساق الفتن.. فتذق طعم الصبابة و المحن.. إنه وبيص حالك.. فاحذر و إلا امسيت هالك..

لا تنس وعدك المشهود.. و لا تنكث ميثاقك المعهود.. اثبت إذن على دأبك الصالح.. و اقتحم هوة كل طالح.. لا تمش بين الفلوات المقفرة.. بل الزم المسالك المقمرة.. اركب سفينة التقوى.. و ادرأ عن نفسك البلوى.. لا تزح ثوب النجاة عن قدك.. كن كأسلافك و سيرة جدك.. لا تكن أنت في ردك و صدك.. بل كن أنت مرآة لقلبك و حبك.. كن كما عهدت فيك رجلا جلدا صابرا.. و جلمودا مكافحا و مثابرا.. لا تأبهن بالدواهي و النوائب و الرزايا.. و لا تغرينك ذوات البهاء و العطايا.. كن للمثبطات متجاوزا.. و للعثرات قافزا.. و للمثالب مرمما.. و لغدك مصمما.. إياك أن تنتكص.. و احذر لنفسك أن تبتئس.. و لعقلك ان يبور.. و لقلبك أن يجور.. لا تخيب أملي و شموس غدي في يومك الذهبي.. كن ذاك الصنديد الأبي.. فأنت المستقبل و أنت الركن و أنت نشوة الحياة.. و أنت أريحية الروح السمحاء.. أنت صفاء السريرة.. و عبق الوجود.. لا تغفل تذكر أنك مجدود.. أخلص علمك و عملك لربك المعبود..

أي بني :

كبدي..فؤادي..نور مقلتي..لا تبلس بالقدر..فنعم الحال حالك..و بئست الحياة غير حياتك..احمدن ربك..و عد أهلك..و ارحم بالله من هلك قبلك..لا تغفو عيناك عن ربك تريد زهرة الحياة الدنيا و زينتها..بحبوحتها و بهجتها.. اسأل من ربك العفاف.. و ادعه الكفاف.. اسأله من دنياه عملا صالحا.. و صاحبة زهية سنية صالحة.. و اسأله من أخراه رضوانا و جنة و نعيما و خلدا عظيما..لا تتلهى نفسك عن أمورك و واجباتك..كن لوقتك ضابطا.. و لواجبك منظما.. و لنفسك مزكيا.. و لعصرك متقصيا.. لا تخبطن خبط عشواء.. و لا تخوضن معركة شعواء.. كن بين الحزبين مقتصدا.. و لا تكن مفرطا أو مكتسدا.. أنر طريقك بمشكاة عقلك.. و أخمد توهج نفسك و بركان نفسك.. بتلاوة وحي ربك.. و لذ إلى رحابه.. و ارتكن تحت ظلال جنابه.. فإنه سبحانه واسع المغفرة.. متقبل لكل معذرة.. لا يخذل عباده الصالحين.. و لا يردهم عن بابه خائبين..

"..قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله. إن الله يغفر الذنوب جميعا. إنه هو الغفور الرحيم." صدق الله العظيم

-إلى ابني " محمد و أيوب " و إلى تلاميذي .. أهدي مقاصد هذه الوصية الروحانية الصافية.. المنبجسة من أعماق أوصال قيثارة الفؤاد .. بكل ما تحمله من معاني النصح و الإرشاد ..

- توقيع الأستاذ عزيز سشا

البعد الاجتماعي والنفسي في رواية اللص و الكلاب

 

البعد الاجتماعي والنفسي  في رواية اللص و الكلاب
البعد النفسي في رواية اللص والكلاب
يحضر البعد النفسي في المؤلف بشكل كبير حيث نجد تداخل مجموعة من الأحاسيس والانفعالات المتناقضة والتي تشمل جانب الحب، الكره، الخوف، الأمان...   وهذا التداخل للعناصر هو الذي تسبب في عدة معاناة نفسية لكل عنصر وخاصة البطل سعيد مهران الذي كان يعيش صراعا داخليا متناقضا ومتعدد الأوجه. فمن جهة كان محبا : يحب من جهة نبوية التي كانت بينهما علاقة حب في الماضي انتهت بالزواج، وأحب نور أو شلبية التي كانت تحبه قبل دخوله إلى السجن وحافظت على ذلك الحب رغم ما عرفت عنه ورغم رفضه لها حيث استقبلته في بيتها واحتضنته وأعطته ذلك الحب الذي حرم منه من جهة نبوية المخادعة وابنته التي كانت تصده بقوة وتصرخ عند اقترابه منها، غير أنه كان يحبها ويعشقها وحاول محاربة الكل لاسترجاعها ومن أجلها قرر ترك نبوية على قيد الحياة.

ومن جهة أخرى نجد سمة الخوف وهي الطاغية في المؤلف، والجهات المعنية به تقريبا أغلبية شخصيات القصة وخصوصا نبوية وعليش اللذان يخافان سعيد وغضبه لذلك قاموا بتغيير المسكن. ثم خوف سعيد من مطارديه ومن المخبرين. كما أن نور أظهرت خوفا كبيرا من ضياع سعيد منها مرة أخرى وخصوصا عندما علمت بمغامراته، ثم خوف الابنة سناء من أبيها سعيد عندما رأته وكان هو يجري إلى جهتها ليضمها
كما نجد كذلك الأمان، وهو شعور خاص افتقده سعيد مهران منذ الوهلة التي خرج فيها من السجن، فرغبته في الانتقام ومطاردته من طرف الشرطة والمخبرين حجبت عنه الأمان، ولذلك بحث عنه طويلا حيث كان يجده في بيت الشيخ الجنيدي الذي يلتجئ إليه عند الإحساس بأي خطر، بالإضافة إلى الأمان الذي يشعر به في بيت نور لأنها وفرت له الحماية من المطاردين وكان يختبئ هناك طويلا ليهنأ ببعض لحظات الهدوء والراحة، كما نجد الأمان الذي هرب إليه كل من عليش سدرة ونبوية.
كما سنتحدث عن سمة أخرى وهي الكره وهنا شكل رغبة شديدة لدى سعيد في الانتقام وذلك بسبب الخيانة التي تعرض لها لذلك أصبح يكره كل من ساهم في تلك الخيانة بمن فيهم عليش سدرة ونبوية التي تخلت عنه وبلغت عنه وتزوجت بعليش وكذا رؤوف علوان الذي تخلى عن مجموعة من المبادئ التي كان يحرص عليها ويزرعها في عقل سعيد.   وكره رؤوف لسعيد ومهاجمته عن طريق الصحافة والتشهير به بالإضافة إلى رفضه لمساعدة سعيد بعد الخروج من السجن والتشهير به وبالإضافة إلى الكره نجد الحنان والشوق ويشعر بهما سعيد حيال ابنته التي تصده ولا تريد ربط أية صلة به في سجنه وبعد خروجه من السجن أيضا لأنه لم يستطع أن يرغمها على العيش معه والإحباط هو أيضا شعور ساهم في التأثير على شخصية سعيد بالإحباط عند إخفاقه في إصابة أهدافه التي تتجلى في الانتقام من عليش ونبوية ثم رؤوف علوان، وشعر به أيضا عند اختفاء نور التي تشكل نقطة نور وحيدة في حياته.
ثم نجد أيضا حضور الإحساس بالوحدة أثناء مكوثه في بيت نور وحده وعند اختفاء نور لأنها بمثابة المؤنس الوحيد له.
وهناك أيضا شعور سعيد بالضياع الكبير عند رفض ابنته له وخصوصا وأنها هي وحدها التي كان يطمح في حبها وعطفها لتعوضه عن ما مضى وتكرر نفس الشعور عند اختفاء نور التي لم يجد لها أثرا.
إلى جانب الإحساس بالحسرة والأسف عند اكتشافه قتل بعض الأبرياء عن طريق الخطأ.
ثم نجد كثيرا من العناصر الأخرى التي ساهمت في بناء البعد النفسي للمؤلف مثل فقدان الأمل عند محاصرة سعيد مما أدى به إلى الاستسلام.
ا- التفاوت الاجتماعي:
تقدم لنا الرواية كوثيقة نفسية لشخصية بطلها المحوري , وهي بذلك ايضا تقدم لنا صورة دقيقة عن المجتمع المصري بعد حوالي تسع سنوات من قيام ثورة الضباط الاحرار بزعامة جمال عبد الناصر سنة 1952 ويظهر للناس خلال مجتمع الرواية ان التفاوت الاجتماعي مهيمن الى حد كبير.وان اصطفاف هذه الشخصيات مع او ضد سعيد مهران انما يتم وفق هذا الموقع الاجتماعي.
هناك من جهة الاغنياء الذين اعتاد مهران سرقتهم قبل دخول السجن لانه يرى ان سبب ثراتهم يعد الى سرقتهم مجهودات الاخرين مبررا انذاك عمله.
وهناك من جهةاخرى فئة كسبت الثروة بواسطة الخيانة والانتهازية (عليش وعلوانوصارت في مكانة اجتماعية.وهناك ثالثا فئات شعبية هامشية تعيش على الهامش حياة بسيطة ومتواضعة ويمثلها الجنيدي ونور.
ب-التراتبية الاجتماعية:
امام هذاالوضع الذي تستفيد منه طبقة من الخونة والانتهازيين نجد التراتبية الاجتماعية تسود فيه وهي مظهر من مظاهر ذلك التفاوت الاجتماعي حيث تسعى في ظله كل فئة او طبقة اجتماعية الى تنظيم حياتها وتامينها بكيفية اجتماعية تقوم على التراتبية داخلها.وتبدو لنا هذه التراتبية على النحو التالي :
-المؤسسة الرسمية : الاعلام -الامن.فالمثقف والصحافي علوان والمخبرون ورجال الامن والبوليس عسشون في اطا مؤسساترسمية للاعلام والامن.وهم يطبقون التعليمات كل بطريقته الخاصة وتتمثل في تبرير النظام او مطاردة معارضيه.
-الشيخ و المريدون: لقد اختار المريديون حياة خاصة تقوم على ممارسة الذكر وخلق فرص التعاون والتازر فيما بينهم لمواجهة مصاعب الحياة المادية,مادامت الدولة لا توفر لهم مستلزمات الحياة.
-المعلم ورجالهتبرز في هذه الفئة علاقة المعلم برجاله ويمثل سعيد مهران قبل دخوله السجن نمودجا لذلك وعليش سدرة بعد ذلك عندما انقلب عليه واحتل مكانه.
وحين يخرج مهران من السجن سيجد نفسه امام العالم كما ترك لكن الجديد الذي طرا هو ظهور هذه الفئة من الخونة والانتهازيين الذن تغيروا بسرعة نتيجة لذلك واخلوا موقعا في المجتمع.
ج- الخلفية الاجتماعية وابعادها التاريخية:
لقد استوحى نجيب محفوظ مادته الحكائية كما يؤكد العديد من دارسي هذه الرواية من واقعة حقيقية للسفاح محمود امين سليمان الذي روع القاهرة في اواخر الخمسينات والذي اصبح بطلا في اعين كثير من المصريين لانه دوخ البوليس حتى تم قتله اثناء المطاردة .شكلت هذه الواقعة الحقيقية خلفية اجتماعية لرواية اللص والكلاب واستمد منها الروائي ما يمكن من التعبير عن رؤيته لمجتمع المصري في حقبة تاريخية محددة : بعد الثورة.
لكن نجيب محفوظ احسن استثمار هذه المادة ليقدم في ان واحد , انتقاذا للنظام وللحركة المناهضة في الوقت نفسه ,وكان ان قدم لنا ذالك من خلال رؤية فتية متميزة تعبر عن قدرة فائقة في التقاط تناقضات المجتمع المصري في خلال فترة ما بعد ثورة يوليوز 1952 .

ملخص دروس اللغة لتلاميذ السنة الثانية باك آداب و علوم إنسانية - الدورة الأولى -


ملخص لدروس اللغة – الدورة الأولى " الفئة المستهدفة : الثانية باك آداب و علوم إنسانية


عنوان الدرس   1   :  التوازي              


التوازي هو التشابه القائم على تماثل بنيوي في بيت شعري أو أبيات شعرية .وعادة ما يكون التشابه بين المتوازيين باعتبارهما طرفين متعادلين في الأهمية من حيث المضمون والدلالة ، ومتماثلين من حيث الشكل في التسلسل والترتيب.

ويشترط في التوازي عنصر التوالي دون وجود فاصل بين الجمل المتوازية.

*أنواع التوازي:

ينقسم التوازي إلى ثلاثة أنواع :

أ ـ التوازي الصوتي     ب ـ التوازي التركيبي(تام وجزئي)    ج ـ التوازي الدلالي

*صيغ التوازي:

يتحقق التوازي بصيغتين: ـ التوازي بالترادف    ـ التوازي بالتضاد


عنوان الدرس        2 : التكرار


*تعريف التكرار:

التكرار ظاهرة موسيقية ومعنوية تقتضي الإتيان بلفظ متعلق بمعنى ، ثم إعادة اللفظ مع معنى آخر في نفس الكلام.

*أنواع التكرار : يتحقق التكرار عبر عدة أنواع:

  1ـ تكرار الحرف : وهو يقتضي تكرار حروف بعينها في الكلام ، مما يعطي الألفاظ التي ترد فيها تلك الحروف أبعادا تكشف عن حالة الشاعر النفسية.

2ـ تكرار اللفظة: وهو تكرار يعيد نفس اللفظة الواردة في الكلام لإغناء دلالة الألفاظ ، وإكسابها قوة تأثيرية

3ـ تكرار العبارة أو الجملة: وهو تكرار يعكس الأهمية التي يوليها المتكلم لمضمون تلك الجمل المكررة باعتبارها مفتاحا لفهم المضمون العام الذي يتوخاه المتكلم.إضافة إلى ما تحققه من توازن هندسي وعاطفي بين الكلام ومعناه.

*أغراض التكرار ووظائفه:

1ـ الوظيفة التأكيدية: ويراد بها إثارة التوقع لدى التلقي ، وتأكيد المعاني وترسيخها في ذهنه.

2ـ الوظيفة الإيقاعية: فالتكرار يساهم في بناء إيقاع داخلي يحقق انسجاما موسيقيا خاصا .

3ـ الوظيفة التزينية: وتكون بتكرار ألفاظ مختلفة في المعنى ومتفقة في البنية الصوتية،مما يضفي تلوينا جماليا على الكلام.


عنوان الدرس      3 : الصورة الشعرية مكوناتها (1) : اللغة العاطفة الخيال


*تعريف الصورة الشعرية: الصورة الشعرية تركيب لغوي بمكن الشاعر من تصوير معنى عقلي وعاطفي متخيل ليكون المعنى متجليا أمام المتلقي، حتى يتمثله بوضوح ويستمتع بجمالية الصورة التزينية.وتعتمد التجسيد والتشخيص والتجريد والمشابهة

*أنواع الصورة الشعرية : تتشكل الصورة الشعرية بعدة مستويات:

1ـ الصورة المفردة : وتعتمد التصوير الحسي الموجود بين المتشابهين في الظاهر دون النفاذ إلى المعاني النفسية.

2ـ الصورة المركبة : وتكون عبر تصوير يجمع بين ما هو حسي وما هو نفسي عاطفي

3ـ الصورة الكلية   : وتعتمد على تكثيف كل عناصر الصورة عبر التنسيق بينها في سياق تعبيري واحد، والجمع بين ما هوتجسيدي وما هو نفسي، في تشكيل يعكس تجربة الشاعر.

*مكونات الصورة الشعرية:

تعتمد الصورة الشعرية على ثلاث مكونات أساسية :

*مكون اللغة: نسيج الألفاظ في التعبير الشعري يشكل الصورة التي يعبر بها الشاعر عن تجربته، فاللغة هي عماد الصورة الشعرية.

*مكون العاطفة: تعتبر العاطفة هي الروح التي تنفخ في اللفظة التي تأخذ القالب النفسي الوجداني لحالة الشاعر.

*مكون الخيال: وهو الذي يمكن اللغة والعاطفة من تحديد معالم الصورة فيتفاعل معها المتلقي شكلا ومضمونا


عنوان الدرس 4 :  الصورة الشعرية:  مكوناتها (2)


* مكون التشبيه ومكون الاستعارة

الصورة الشعرية تتكون من مكونات داخلية :اللغة والعاطفة والخيال ، ومكونات بلاغية :هي التشبيه والاستعارة.

*مكون التشبيه:وهو بيان أن شيئا شارك غيره في صفة أو أكثر،ويتكون من طرفين أساسيين:المشبه والمشبه به ،وقد يكونان محسوسان يدركان بالحواس ،أو معنويان يدركان بالعقل،هما معا أو أحدهما.

أما الأركان الأخرى وهي :الأداة (ك ـ كأن ـ مثل ـ شبه )،فيكون التشبيه مرسلا إذا ذكرت الأداة ومؤكدا إذا حذفت ووجه الشبه إذا ذكر كان التشبيه مفصلا وإذا حذف كان التشبيه مجملا.

*مكون الاستعارة : الاستعارة تشبيه حذف أحد طرفيه ،مع وجود قرينة تمنع إرادة المعنى الحقيقي.وهي نوعان:

ـ استعارة تصريحيه: يصرح فيها بالمشبه به ويحذف الشبه مع وجود قرينة تمنع إرادة المعنى الحقيقي.

ـ استعارة مكنية : يذكر فيها المشبه ويحذف المشبه به مع وجود بعض اللوازم الدالة عليه.وقرينة تمنع المعنى الحقيقي.


عنوان الدرس    5  :  الصورة الشعرية:  وظيفتها (1)


*  الوظيفة النفسية و الوظيفة التأثيرية

الصورة الشعرية تؤدي وظيفتين أساسيتين:

*وظيفة نفسية : ومن خلالها يسعى الشاعر إلى التعبير عن عواطفه وأحاسيسه، وتتميز بالخصائص

    ـ التدرج في التعبير عن نفسية الشاعر بدءا من نفسيته والغرض الذي يرمي إليه              

    ـ التركيز على مشاعر الشاعر الداخلية، وتجربته الوجدانية .

    ـ هيمنة البعد النفسي على تشكيل الصورة فكريا وفنيا جماليا .

*وظيفة تأثيرية : وتسعى إلى إشراك المتلقي وإقناعه بمواقف الشاعر وأفكاره، ومن مميزاتها ك

    ـ تجسيد المجردات وتشخيص المعاني حتى يتأثر المتلقي مباشرة مع الصورة .

    ـ إقناع المتلقي بالفكرة أو المعنى المراد من الصورة .

    ـ إثارة الاستجابة الفنية في المتلقي بتحريك مخيلته وما يختزنه من أفكار ودلالات.

    ـ تحقيق التناسب الوجداني بين حالة الشاعر والصورة الشعرية.

      وتستمد الصورة الشعرية وظيفتها التأثيرية من ثلاث أسس:

    ـ تجارب الشاعر الشخصية وتأملاته في الحياة .ـ استثمار تجارب الآخرين والتواصل معها.

    ـ مهارات الشاعر الإبداعية القادرة على احتواء المتلقي والتأثير فيه.

* مهارة كتابة موضوع إنشائي متكامل حول نص شعري ينتمي إلى تيار تكسير البنية ( الشعر الحر ) *


* النص الشعري :" في الليل "/ للشاعر : بدر شاكر السياب (نموذجا ).

* الفئة المستهدفة : الثانية باك علوم إنسانية و آداب .

_________________________________________

- النص الشعري :


            "في الليل .."


1. الغُرفَةُ موصَدَةُ البابِ

2. والصَمتُ عميقْ

3. وستائرُ شبّاكي مرخاةٌ..

4. ربَّ طَريقْ

5. يتنصَّتُ لي ، يترصَّدُ بي خلفَ الشبّاكِ ، وأثوابي

6. كمفزِّعِ بستانٍ ، سودُ

7. أعطاها البابُ المرصودُ

8. نَفَساً، ذرَّ بها حسّاً ، فَتَكادُ تفيقْ

9. من ذاك الموتِ ، وتهمسُ بي ، والصمتُ عميقْ :

10.” لم يبقَ صديقْ

11. ليزورَكَ في الليلِ الكابي

12. والغرفةُ موصدَةُ البابِ ” .

13. ولبستُ ثيابيَ في الوهمِ

14. وسريتُ : ستلقاني أُمّي

15. في تلكَ المقبرةِ الثكلى ،

16. ستقولُ : ” أَتَقْتحمُ الليلا

17. من دونِ رفيقْ ؟

18. جوعانُ ؟ أتأكلُ من زادي :

19. خرّوبِ المقبرةِ الصّادي ؟

20. والماءُ ستنهلُهُ نَهلا

21. من صدرِ الأرضِ.

22. ألا ترمي

23. أثوابَكَ ؟ والبَسْ من كَفَني ،

24. لم يبلَ على مرِّ الزمنِ ؛

25. عزريل الحائكُ ، إذْ يبلى ،

26. يرفوهُ . تعالَ ونمْ عندي :

27. أعددتُ فراشاً في لَحدي

28. لكَ يا أغلى من أشواقي

29. للشمسِ ، لأمواهِ النهرِ

30. كَسْلى تجري ،

31. لهُتافِ الديكِ إذا دوّى في الآفاقِ

32. في يومِ الحشرِ” .

33. سَآخذ دربي في الوهمِ

34. وأسيرُ فتلقاني أُمّي.


________________________________________

- موضوع المنهجية المتكاملة :


شكّل شعر تكسير البنية اتجاها شعرياً بالغ العمق والفرادة في منظومة الأدب العربي الحديث، إذ تمكّنت القصيدة العربية، في خضم هذا الإبدال، معانقة آفاقٍ إبداعية جديدة، نسفت خلالها القوالب الجاهزة والأبنية الشعرية النمطيّة التي كرّسها شعراءُ إحياء النموذج ، وأخلصوا لها ، ثم جدّدها، جزئياً، شعراء سؤال الذات . لقد فرض السياق التاريخي، بما حمله في أعطافه من تحولاتٍ سياسية ونكسات اقتصادية واجتماعية، البحثَ عن شكلٍ شعريٍّ يتساوقُ مع هذه التحولات.. من هنا، كانت الانطلاقة الفعليّة لارتياد ميسم شعريٍّ متحرّر من قيود المواضعاتِ الإبداعية البائدة.

إنّ ما حَبلت به النكبة الفلسطينية من أوجاعٍ وتصدعاتٍ، ومَا كابدهُ العالم العربي من استعمار غاشم، شجع شعراء هذه المرحلة على التخلص من رِبْقَةِ القصيدة القديمة و هيكلها الصارم ، للبحث عن نسقٍ فنيّ متفجرٍ، يمنح الشاعر فرصة التعبير عن حرقته و لواعجه و مراثيه و أفكاره و بوحهِ الأليم بطريقة سلسلة، طيعةِ لا إجحاف فيها و لا قيود ..

ومن الشعراءِ الذين تجشموا مَهمة اجتراح هذا الأنموذج الشعري وكسر النظام الشعري التراثي القديم ، نلفي الشاعر العراقي الكبير " بدر شاكر السياب " إلى جانب  الشاعرة " نازك الملائكة "وشعراء آخرون يضيقُ السياق عن ذكرهم جميعاً..

فما المضمون الشعري الذي عبر عنه الشاعر  ؟ و ما الخصائص الفنية و المعجمية و الإيقاعية المستثمرة

في قصيدته "في الليل" ؟  و إلى أي حد يعد هذا النص مثالا واضحا لشعر تكسير البنية شكلا ومضمونا ؟

أسئلة و أخرى سنحاول الإجابة عنها في مساق القراءة المنهجية التحليلية المتكاملة لهذا النص قيد الدرس .

يتضح من خلال النظرة البصرية للنص أن القصيدة تضع حدا فاصلا مع الموروث الشعري التقليدي، فقد كسرت الشكل الهندسي للقصيدة العمودية باستثمار نظام السطر الشعري بدل نظام الشطرين المتناظرين، كما استبدلت تنويع القافية والروي بوحدتهما، وتتفاوت الأسطر فيما بينها من حيث الطول تبعا للدفقة الشعورية. أما العنوان فيمثل شبه جملة غير تامة " في الليل = جار و مجرور "، الشيء الذي يدفع القارئ المخاطب إلى استعمال السيرورة التأويلية لاستبطان متاهاته إتماما لمعانيه، حيث يتم الربط بين الليل وما يحفل به من معان وسمات مميزة (الحزن ، الكآبة، السهر، السهاد، البعد ، الهدوء، السكينة، الموت ، الخوف...). فما علاقة العنوان بقصدية الشاعر ؟ وإلى أي حد يعتبر عتبة لمعرفة غياهب النص؟


لقد استهل الشاعر" بدر شاكر السياب" قصيدته بتأثيث فضاء الغرفة الموصدة واصفا إياها ومضفيا عليها مسحة كئيبة، ثم نظر إلى ثيابه نظرة متسائل يناجيها ويتحدث إليها افتراضا، لينتقل إلى حوار في خلده مع أمه، التي تحضر في جل قصائده، كاشفا عن نظرته الشمولية المختلفة نحو المكان والزمان والموت، ليؤول في نهاية المطاف إلى تأكيد لقائه بأمه في اللحد ، وفي ذلك إشارة إلى دنو أجله، فالسياب كان دائما يرى خلاصه في موته، نتيجة مرضه العضال الذي لم ينفع معه أي علاج..و يمكن أن نستجمع هذه المضامين في رؤية الشاعر الشاملة نحو الزمان والمكان والموت انطلاقا من معاناته، وهي رؤية ذاتية نفسية تطفح بها أغلب قصائده.


و لإبراز هذه المضامين الذاتية و النفسية المتأزمة استعان الشاعر بمعجم يمتح مادته من عناصر الطبيعة ، وهو معجم يجمع بين السلاسة والجزالة، تتخلله بعض الكلمات التي تستلهم من اللغة الموروثة، و يتوزع هذا المعجم إلى ثلاثة حقول دلالية هي :

* حقل الألفاظ الدالة على المكان نمثل لها ب:(الغرفة، ستائر، بستان، المقبرة، الأرض، لحد، النهر...).

* حقل الألفاظ الدالة على الزمان نمثل لها ب: (الليل، سريت، الزمن، يوم، الحشر، أسير، ستلقاني...).

* حقل الألفاظ الدالة على الموت نمثل لها ب: (الموت، سريت، الثكلى، أمي، كفني، عزريك، نم، لحدي...).

✓ تجمع بين هذه الحقول علاقة بنيوية متكاملة تجسدها النظرة الشمولية للشاعر نحو الكون والعالم، فالسياب يعيش غربة في المكان وغربة في الزمان وغربة في المصير المنتظر ( الموت ) ، إن الغربة إذن هي النواة الجامعة لهذه الحقول الدلالية .

هذا من الناحية المعجمية، أما من الناحية التركيبية فقد تعددت الضمائر في القصيدة بين ضمير الغائب (يتنصت ، يترصد ، أعطاها الباب المرصود نفسا...)، وضميري المتكلم والمخاطب في الحوار ( ليزورك، لبست ثيابي، سريت، ستقول لي..)، ليجعل من القصيدة مرآة تعكس قصة متخيلة صنعها مخيال الشاعر المتأثر بمغص مرضه العضال .

 أما ما يتعلق بالجمل فقد زاوج صاحب النص بين  الجمل الفعلية الدالة على الاستمرار و الحركية و الدينامية والتجدد ، و الجمل الإسمية الدالة على الثبات والاستقرار ، فالشاعر يرصد من خلال الإسمية حال الغرفة ومعاناته بها (الغرفة موصدة الباب، الصمت عميق..) ، بينما تدل الفعلية على التحول (ليزورك في الليل الكابي، لبست ثيابي، سريت، ستلقاني أمي، لم يبل على مر الزمن، أعددت فراشا...)، وهي المهيمنة في النص، لأن الشاعر بصدد التحول نحو المصير المحتوم: الموت.

و من الناحية التصويرية اعتمدت الصورة الشعرية في النص إلى جانب الانزياح و الرمز و الإيحاء على التشبيه مثل: (وأثوابي كمفزع بستان)= تشبيه محسوس بمحسوس، وكذلك الاستعارة كما في قوله (أعطاها الباب المرصود نفسا) = الاستعارة المكنية حيث حذف المشبه به(الروح) وأبقى على شيء من لوازمه (النفس) ، وكذلك الشأن في (من صدر الأرض) كاستعارة مكنية أيضا.. وكلها صور تقوم بوظيفة تعبيرية إبلاغية في النص، كما يمكن جعل القصيدة كلها صورة مشهدية شاملة كلية.

و فيما يخص الأساليب فقد زاوج الشاعر بين الأسلوبين : الخبري والإنشائي، فهو يستعمل الأول للإخبار عن معاناته وتصوير واقعه المزري، والغربة التي يعيشها في المكان والزمان والموت (الغرفة موصدة الباب، ستائر شباكي مرخاة..)، وهي كلها أخبار خالية من التوكيد ، أما الثاني فيرتبط بانفعالات الشاعر و يغلب عليه الإنشاء الطلبي المتمثل في الاستفهام (من دون رفيق؟ خروب المقبرة الصادي؟ ألا ترمي أثوابك؟) وهي استفهامات لا تفيد بحسب مقتضى الظاهر، بل خرجت عنه لتفيد معنى مستلزما حواريا بحسب مقتضى الحال تفيد الالتماس واليأس.

و من حيث الإيقاع الخارجي نظم الشاعر قصيدته على تفعيلة (فاعلن) المقتبسة من وزن بحر المتدارك، وهو من الأوزان الخليلية الصافية، بيد أنه لم يحترم قواعد الخليل في استثمارها ، حيث وظف نظام السطر الشعري بدل نظام الشطرين المتناظرين، و وزع التفعيلة في أسطره الشعرية بشكل غير متكافئ حسب دفقته الشعورية وتجربته الشاعرية، فهي حينا واحدة(السطر الرابع) وحينا آخر تفعيلتان أو ثلاث تفعيلات.. كما اعتمد ظاهرة التدوير حيث تبدأ التفعيلة في السطر الخامس و تنتهي في السطر السادس، ونوع القافية و الروي، فالأولى مطلقة رويها متحرك في الأسطر ( 15- 20..)، ومقيدة رويها ساكن في أسطر أخرى( 4-8..) مردفة (8-3-4-17) وغير مردفة (20-22..)، و الروي حينا القاف، وهو حرف شديد جهور، وحينا الباء أو الدال، وهي كلها شديدة، أو النون و الميم، وهي حروف شفوية تدل على الأنين والحزن، إنها أصوات مرتبطة بالمعاناة والأسى والتأزم.

أما الإيقاع الداخلي فتميز بتكرار حروف بعينها أهمها أرواء القصيدة، فالقاف تكرر 13 مرة والدال تكرر 12 مرة والباء تكرر 13 مرة، وهي كلها حروف شديدة مجهورة تعكس شدة المعاناة والجهر بها، كما تكررت عدة حروف مهموسة كالهاء والسين لتعكس الجو النفسي المتأزم للذات الشاعرة ، وتكررت أيضا الحروف الممدودة باطراد لتفيد التأوه والحسرة، ولم يقتصر التكرار عند الحروف، بل تعداه إلى الكلمات (الباب 3 مرات، والصمت مرتان) وتكررت عبارة (الصمت عميق)، وتكررت كلمات عن طريق الجناس (نهلا/ نهل، ليلا / الليل)، و أسطر شعرية محددة بعينها قدمت القصيدة في صورة أغنية حزينة ، أما التوازي فيتضح من خلال التوازي الصرفي ( عميق/ صديق، زادي/ صادي، عميق/ طريق,,)، والتوازي التركيبي التام في قوله: (الغرفة موصدة الباب، رب طريق، لم يبق صديق)، ثم التوازي الدلالي (62-27) الذي يضم كل الكلمات التي تجمعها نواة معنوية ناظمة للنص تفيد المعاناة والاغتراب.

✓إن المزاوجة بين التكرار والتوازي وغيرهما على مستوى البنية الإيقاعية قد خلق للنص منغما موسيقيا منسجما مع المعاناة التي يعيشها "بدر شاكر السياب " و ذلك، لا محالة، يؤثر في نفسية المتلقي.


و تأسيسا على ما سبق نخلص إلى أن النص الشعري قيد الدرس قد تمثل أيما تمثل لخطاب تكسير البنية  في الشعر العربي الحديث، حيث استجمع كل مقومات هذا التيار الحداثي المعاصر ، فجاء البناء الهندسي فيه مكسرا للبنية الشعرية العربية التراثية ،  كما عددت القصيدة الروي و نوعت القافية، و سيقت المضامين مبنية على رؤيا الشاعر التشاؤمية، واعتمد الشاعر معجما تتأسس مفرداته على خرق المألوف و المعتاد في تركيبها، و متحت الصورة الشعرية مادتها من الإنزياح و الخيال التوليدي وخلق علاقات جديدة بين الكلمات بحسب السياق والرؤيا الشعرية، متوسلة بالرمز والإيحاء،أما الإيقاع فنظم على مبدأ التفعيلة بدل الوزن الشعري الخليلي ، و اعتمد على السطر الشعري والجملة الشعرية وغيرها، وكلها خصائص تمتح من معين تيار تكسير البنية و تجديد الرؤيا على حد سواء .

و ختاما لا يسعنا إلا أن نقول بأن الشاعر العراقي الكبير " بدر شاكر السياب" قد ترك بصمات خالدة على صفحات القصيدة العربية الحديثة بنية و لغة وأسلوبا و إيقاعا…ليضعنا أمام بنية شعرية متماسكة، تستلهم النفس الذاتي/الوجداني في تمتين الوحدة العضوية للنص الشعري ، و تشتغل دراميا على صوتين متداخلين : صوت الشاعر و صوت الأم ، بين اليأس والأمل..



_____________________________________________


https://documentcloud.adobe.com/link/track?uri=urn:aaid:scds:US:7cd280c0-6933-42ed-8690-7756f47f3160

لفظ القرآن بين اللغة و الإصطلاح

   ** لفظ القرآن بين اللغة و الإصطلاح **

هناك العديد من الأقوال التي خاضت في تحقيق لفظ "قرآن" في اللغة ، و حيث لن يسعنا الجهد للإحاطة بها كاملة سنقتصر على بعضها دون أن نألو في حق المدلول الذي يجمعها ، و سنستهل بما أثر عن الشافعي رحمه الله تعالى، و به قال جماعة : " إنه (أي لفظ قرآن ) اسم علم غير مشتق خاص بهذا الكلام المنزل على النبي المرسل صلى الله عليه و سلم ، و هو معرف غير مهموز عنده كما حكاه عنه البيهقي و الخطيب و غيرهما [1].
و نقل عن أبي الحسن الأشعري و أقوام آخرون : أنه مشتق من قرنت الشيء بالشيء إذا ضممته إليه، و سمي به عندهم لقران السور و الآيات و الحروف فيه بعضها ببعض . و ذهب" الفراء" إلى أنه : مشتق من القرائن لأن الآيات فيه يصدق بعضها بعضا و يشبه بعضها بعضا . و هو على هذين القولين بلا همز أيضا و نونه أصلية [2].
و حكى اللحياني قولا : أنه مصدر لقراءات كالرجحان و الغفران ، سمي به الكتاب المقروء من باب تسمية المفعول بالمصدر " . و جاء أيضا في "لسان العرب" لابن منظور /الجزء الأول : " و فيه قول آخر لم تقرأ جنينا أي لم تلقه ، و معنى قرأت القرآن : لفظت به مجموعا أي ألقيته " [3] .
و نلفي صاحب " مناهل العرفان " و قد اصطفى رأي اللحياني و من معه ، و هو أشهر الآراء ، إذ يقول : "...أما لفظ قرآن هو في اللغة مصدر مرادف للقراءة و منه قوله تعالى : " إن علينا جمعه و قرآنه ، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه.." [ سورة القيامة،الآية:18 ] ، ثم نقل من هذا المعنى المصدري و جعل اسما للكلام المعجز المنزل على النبي صلى الله عليه و سلم ، من باب إطلاق المصدر على مفعوله و هو المختار استنادا إلى موارد اللغة و قوانين الاشتقاق ، و إليه ذهب "اللحياني " و جماعة .
أما القول بأنه وصف من القرء بمعنى الجمع ، أو أنه مشتق من القرائن ، أو أنه مشتق من قرنت الشيء بالشيء ، أو أنه مرتجل أي : أنه موضوع من أول الأمر علما على الكلام المعجز المنزل ، غير مهموز ، و لا مجرد من "أل" فكل أولئك لا يظهر له وجه وجيه ، و لا يخلو توجيه بعضه من كلفه ، و لا من بعد عن قواعد الاشتقاق و موارد اللغة " [4] .
و هكذا فإن كلام صاحب " العرفان " يقتضي أن لفظ "القرآن" مهموز ، و إذا حذف همزه فإنما ذلك للتخفيف ، و إذا دخلته " أل " بعد التسمية فإنما هي للمح الأصل لا للتعريف [5] .
- أما من الناحية الإصطلاحية فقد اختلف العلماء في جواز تعريف " لفظ القرآن " لأنهم رأوا أن التعريفات لا تكون إلا للكليات ، و قد أجاز بعضهم ذلك و هم الفقهاء ، و منهم من عرفه لتقريب معناه فحسب ، و هكذا قالوا في تعريفه : " هو كلام الله المعجز المنزل على محمد صلى الله عليه و سلم ، المكتوب في المصاحف ، المنقول بالتواتر ، المتعبد بتلاوته " .
و هذا الوجه من التعريف متفق عليه بين الأصوليين و الفقهاء و علماء العربية و يشاركهم فيه المتكلمون أيضا.[6].
فالكلام جنس شامل و عام لكل كلام ، و إضافته إلى " الله عز و جل " تجعله متميزا على كلام ما سواه من الإنس و الجن و الملائكة .
و كونه منزلا أي مخرج للكلام الإلهي الذي استأثر الله به في نفسه ، أو ألقاه إلى ملائكته ، ليعملوا به و لا لينزلوه على أحد من البشر ، إذ ليس كل كلام الله تعالى منزلا ، بل الذي أنزل منه قليل من كثير ، قال تعالى : " قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي و لو جئنا بمثله مددا.."[سورة الكهف،الآية:109]،و قال أيضا :" و لو أن ما في الأرض من شجرة أقلام و البحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله.."[سورة لقمان،الآية:27].
و قيد "المنزل" بكونه على" محمد" صلى الله عليه و سلم ، لإخراج ما أنزل على الأنبياء من قبله من توراة و إنجيل و زابور و صحف .
و كونه " منقول بالتواتر " يخرج جميع ما سوى القرآن من منسوخ التلاوة و القراءات غير المتواترة سواء كانت مشهورة مثل قراءة "ابن مسعود " أو كانت آحادية ، فإن شيئا من ذلك لا يسمى قرآنا و لا يؤخذ بحكمه ، و قيد " المتعبد بتلاوته " أي المأمور بقراءته في الصلاة و غيرها على وجه العبادة لإخراج ما لم نؤمر بتلاوته من ذلك ، كالقراءات المنقولة إلينا بطريق الآحاد ، و كالأحاديث القدسية ، و هي المسندة إلى الله عز و جل إن قلنا : إنها منزلة من عند الله بألفاظها.[7] .

____________________________________________
-المراجع المعتمدة :

1- "قضية الإعجاز القرآني و أثرها في تدوين البلاغة العربية " ، د.عبد العزيز عرفة / ص:22،م، عالم الكتب ط.1 / 1405ه-1985م .
2- " روح المعاني " للألوسي ج 1 /ص:11، تحقيق : محمد زهري النجار .
3- " لسان العرب " ، ابن منظور ، ج 1/ص:128،ط1،بيروت"دار صادر "1990م.
4- " مناهل العرفان "، محمد عبد العظيم الزرقاني،ج1/ص:14،ط3/ دار الفكر للنشر و التوزيع 1988م.
5- المرجع نفسه/ الصفحة : 14.
6- " النبأ العظيم " محمد عبد الله دراز ، ص:9/ مطبعة السعادة،1960م.
7- "النبأ العظيم " ص:9 / "مناهل العرفان " ج1،ص:16-17.
_____________________________________________

                 
                         *** توقيع : الأستاذ عزيز سشا ***

* مهارة كتابة موضوع إنشائي متكامل حول نص شعري ينتمي إلى تيار تكسير البنية ( الشعر الحر ) *


* النص الشعري :" في الليل "/ للشاعر : بدر شاكر السياب (نموذجا ).
* الفئة المستهدفة : الثانية باك علوم إنسانية و آداب .
_________________________________________
- النص الشعري :

            "في الليل .."

1. الغُرفَةُ موصَدَةُ البابِ
2. والصَمتُ عميقْ
3. وستائرُ شبّاكي مرخاةٌ..
4. ربَّ طَريقْ
5. يتنصَّتُ لي ، يترصَّدُ بي خلفَ الشبّاكِ ، وأثوابي
6. كمفزِّعِ بستانٍ ، سودُ
7. أعطاها البابُ المرصودُ
8. نَفَساً، ذرَّ بها حسّاً ، فَتَكادُ تفيقْ
9. من ذاك الموتِ ، وتهمسُ بي ، والصمتُ عميقْ :
10.” لم يبقَ صديقْ
11. ليزورَكَ في الليلِ الكابي
12. والغرفةُ موصدَةُ البابِ ” .
13. ولبستُ ثيابيَ في الوهمِ
14. وسريتُ : ستلقاني أُمّي
15. في تلكَ المقبرةِ الثكلى ،
16. ستقولُ : ” أَتَقْتحمُ الليلا
17. من دونِ رفيقْ ؟
18. جوعانُ ؟ أتأكلُ من زادي :
19. خرّوبِ المقبرةِ الصّادي ؟
20. والماءُ ستنهلُهُ نَهلا
21. من صدرِ الأرضِ.
22. ألا ترمي
23. أثوابَكَ ؟ والبَسْ من كَفَني ،
24. لم يبلَ على مرِّ الزمنِ ؛
25. عزريل الحائكُ ، إذْ يبلى ،
26. يرفوهُ . تعالَ ونمْ عندي :
27. أعددتُ فراشاً في لَحدي
28. لكَ يا أغلى من أشواقي
29. للشمسِ ، لأمواهِ النهرِ
30. كَسْلى تجري ،
31. لهُتافِ الديكِ إذا دوّى في الآفاقِ
32. في يومِ الحشرِ” .
33. سَآخذ دربي في الوهمِ
34. وأسيرُ فتلقاني أُمّي.

________________________________________
- موضوع المنهجية المتكاملة :

شكّل شعر تكسير البنية اتجاها شعرياً بالغ العمق والفرادة في منظومة الأدب العربي الحديث، إذ تمكّنت القصيدة العربية، في خضم هذا الإبدال، معانقة آفاقٍ إبداعية جديدة، نسفت خلالها القوالب الجاهزة والأبنية الشعرية النمطيّة التي كرّسها شعراءُ إحياء النموذج ، وأخلصوا لها ، ثم جدّدها، جزئياً، شعراء سؤال الذات . لقد فرض السياق التاريخي، بما حمله في أعطافه من تحولاتٍ سياسية ونكسات اقتصادية واجتماعية، البحثَ عن شكلٍ شعريٍّ يتساوقُ مع هذه التحولات.. من هنا، كانت الانطلاقة الفعليّة لارتياد ميسم شعريٍّ متحرّر من قيود المواضعاتِ الإبداعية البائدة.
إنّ ما حَبلت به النكبة الفلسطينية من أوجاعٍ وتصدعاتٍ، ومَا كابدهُ العالم العربي من استعمار غاشم، شجع شعراء هذه المرحلة على التخلص من رِبْقَةِ القصيدة القديمة و هيكلها الصارم ، للبحث عن نسقٍ فنيّ متفجرٍ، يمنح الشاعر فرصة التعبير عن حرقته و لواعجه و مراثيه و أفكاره و بوحهِ الأليم بطريقة سلسلة، طيعةِ لا إجحاف فيها و لا قيود ..
ومن الشعراءِ الذين تجشموا مَهمة اجتراح هذا الأنموذج الشعري وكسر النظام الشعري التراثي القديم ، نلفي الشاعر العراقي الكبير " بدر شاكر السياب " إلى جانب  الشاعرة " نازك الملائكة "وشعراء آخرون يضيقُ السياق عن ذكرهم جميعاً..
فما المضمون الشعري الذي عبر عنه الشاعر  ؟ و ما الخصائص الفنية و المعجمية و الإيقاعية المستثمرة
في قصيدته "في الليل" ؟  و إلى أي حد يعد هذا النص مثالا واضحا لشعر تكسير البنية شكلا ومضمونا ؟
أسئلة و أخرى سنحاول الإجابة عنها في مساق القراءة المنهجية التحليلية المتكاملة لهذا النص قيد الدرس .
يتضح من خلال النظرة البصرية للنص أن القصيدة تضع حدا فاصلا مع الموروث الشعري التقليدي، فقد كسرت الشكل الهندسي للقصيدة العمودية باستثمار نظام السطر الشعري بدل نظام الشطرين المتناظرين، كما استبدلت تنويع القافية والروي بوحدتهما، وتتفاوت الأسطر فيما بينها من حيث الطول تبعا للدفقة الشعورية. أما العنوان فيمثل شبه جملة غير تامة " في الليل = جار و مجرور "، الشيء الذي يدفع القارئ المخاطب إلى استعمال السيرورة التأويلية لاستبطان متاهاته إتماما لمعانيه، حيث يتم الربط بين الليل وما يحفل به من معان وسمات مميزة (الحزن ، الكآبة، السهر، السهاد، البعد ، الهدوء، السكينة، الموت ، الخوف...). فما علاقة العنوان بقصدية الشاعر ؟ وإلى أي حد يعتبر عتبة لمعرفة غياهب النص؟

لقد استهل الشاعر" بدر شاكر السياب" قصيدته بتأثيث فضاء الغرفة الموصدة واصفا إياها ومضفيا عليها مسحة كئيبة، ثم نظر إلى ثيابه نظرة متسائل يناجيها ويتحدث إليها افتراضا، لينتقل إلى حوار في خلده مع أمه، التي تحضر في جل قصائده، كاشفا عن نظرته الشمولية المختلفة نحو المكان والزمان والموت، ليؤول في نهاية المطاف إلى تأكيد لقائه بأمه في اللحد ، وفي ذلك إشارة إلى دنو أجله، فالسياب كان دائما يرى خلاصه في موته، نتيجة مرضه العضال الذي لم ينفع معه أي علاج..و يمكن أن نستجمع هذه المضامين في رؤية الشاعر الشاملة نحو الزمان والمكان والموت انطلاقا من معاناته، وهي رؤية ذاتية نفسية تطفح بها أغلب قصائده.

و لإبراز هذه المضامين الذاتية و النفسية المتأزمة استعان الشاعر بمعجم يمتح مادته من عناصر الطبيعة ، وهو معجم يجمع بين السلاسة والجزالة، تتخلله بعض الكلمات التي تستلهم من اللغة الموروثة، و يتوزع هذا المعجم إلى ثلاثة حقول دلالية هي :
* حقل الألفاظ الدالة على المكان نمثل لها ب:(الغرفة، ستائر، بستان، المقبرة، الأرض، لحد، النهر...).
* حقل الألفاظ الدالة على الزمان نمثل لها ب: (الليل، سريت، الزمن، يوم، الحشر، أسير، ستلقاني...).
* حقل الألفاظ الدالة على الموت نمثل لها ب: (الموت، سريت، الثكلى، أمي، كفني، عزريك، نم، لحدي...).
✓ تجمع بين هذه الحقول علاقة بنيوية متكاملة تجسدها النظرة الشمولية للشاعر نحو الكون والعالم، فالسياب يعيش غربة في المكان وغربة في الزمان وغربة في المصير المنتظر ( الموت ) ، إن الغربة إذن هي النواة الجامعة لهذه الحقول الدلالية .
هذا من الناحية المعجمية، أما من الناحية التركيبية فقد تعددت الضمائر في القصيدة بين ضمير الغائب (يتنصت ، يترصد ، أعطاها الباب المرصود نفسا...)، وضميري المتكلم والمخاطب في الحوار ( ليزورك، لبست ثيابي، سريت، ستقول لي..)، ليجعل من القصيدة مرآة تعكس قصة متخيلة صنعها مخيال الشاعر المتأثر بمغص مرضه العضال .
 أما ما يتعلق بالجمل فقد زاوج صاحب النص بين  الجمل الفعلية الدالة على الاستمرار و الحركية و الدينامية والتجدد ، و الجمل الإسمية الدالة على الثبات والاستقرار ، فالشاعر يرصد من خلال الإسمية حال الغرفة ومعاناته بها (الغرفة موصدة الباب، الصمت عميق..) ، بينما تدل الفعلية على التحول (ليزورك في الليل الكابي، لبست ثيابي، سريت، ستلقاني أمي، لم يبل على مر الزمن، أعددت فراشا...)، وهي المهيمنة في النص، لأن الشاعر بصدد التحول نحو المصير المحتوم: الموت.
و من الناحية التصويرية اعتمدت الصورة الشعرية في النص إلى جانب الانزياح و الرمز و الإيحاء على التشبيه مثل: (وأثوابي كمفزع بستان)= تشبيه محسوس بمحسوس، وكذلك الاستعارة كما في قوله (أعطاها الباب المرصود نفسا) = الاستعارة المكنية حيث حذف المشبه به(الروح) وأبقى على شيء من لوازمه (النفس) ، وكذلك الشأن في (من صدر الأرض) كاستعارة مكنية أيضا.. وكلها صور تقوم بوظيفة تعبيرية إبلاغية في النص، كما يمكن جعل القصيدة كلها صورة مشهدية شاملة كلية.
و فيما يخص الأساليب فقد زاوج الشاعر بين الأسلوبين : الخبري والإنشائي، فهو يستعمل الأول للإخبار عن معاناته وتصوير واقعه المزري، والغربة التي يعيشها في المكان والزمان والموت (الغرفة موصدة الباب، ستائر شباكي مرخاة..)، وهي كلها أخبار خالية من التوكيد ، أما الثاني فيرتبط بانفعالات الشاعر و يغلب عليه الإنشاء الطلبي المتمثل في الاستفهام (من دون رفيق؟ خروب المقبرة الصادي؟ ألا ترمي أثوابك؟) وهي استفهامات لا تفيد بحسب مقتضى الظاهر، بل خرجت عنه لتفيد معنى مستلزما حواريا بحسب مقتضى الحال تفيد الالتماس واليأس.
و من حيث الإيقاع الخارجي نظم الشاعر قصيدته على تفعيلة (فاعلن) المقتبسة من وزن بحر المتدارك، وهو من الأوزان الخليلية الصافية، بيد أنه لم يحترم قواعد الخليل في استثمارها ، حيث وظف نظام السطر الشعري بدل نظام الشطرين المتناظرين، و وزع التفعيلة في أسطره الشعرية بشكل غير متكافئ حسب دفقته الشعورية وتجربته الشاعرية، فهي حينا واحدة(السطر الرابع) وحينا آخر تفعيلتان أو ثلاث تفعيلات.. كما اعتمد ظاهرة التدوير حيث تبدأ التفعيلة في السطر الخامس و تنتهي في السطر السادس، ونوع القافية و الروي، فالأولى مطلقة رويها متحرك في الأسطر ( 15- 20..)، ومقيدة رويها ساكن في أسطر أخرى( 4-8..) مردفة (8-3-4-17) وغير مردفة (20-22..)، و الروي حينا القاف، وهو حرف شديد جهور، وحينا الباء أو الدال، وهي كلها شديدة، أو النون و الميم، وهي حروف شفوية تدل على الأنين والحزن، إنها أصوات مرتبطة بالمعاناة والأسى والتأزم.
أما الإيقاع الداخلي فتميز بتكرار حروف بعينها أهمها أرواء القصيدة، فالقاف تكرر 13 مرة والدال تكرر 12 مرة والباء تكرر 13 مرة، وهي كلها حروف شديدة مجهورة تعكس شدة المعاناة والجهر بها، كما تكررت عدة حروف مهموسة كالهاء والسين لتعكس الجو النفسي المتأزم للذات الشاعرة ، وتكررت أيضا الحروف الممدودة باطراد لتفيد التأوه والحسرة، ولم يقتصر التكرار عند الحروف، بل تعداه إلى الكلمات (الباب 3 مرات، والصمت مرتان) وتكررت عبارة (الصمت عميق)، وتكررت كلمات عن طريق الجناس (نهلا/ نهل، ليلا / الليل)، و أسطر شعرية محددة بعينها قدمت القصيدة في صورة أغنية حزينة ، أما التوازي فيتضح من خلال التوازي الصرفي ( عميق/ صديق، زادي/ صادي، عميق/ طريق,,)، والتوازي التركيبي التام في قوله: (الغرفة موصدة الباب، رب طريق، لم يبق صديق)، ثم التوازي الدلالي (62-27) الذي يضم كل الكلمات التي تجمعها نواة معنوية ناظمة للنص تفيد المعاناة والاغتراب.
✓إن المزاوجة بين التكرار والتوازي وغيرهما على مستوى البنية الإيقاعية قد خلق للنص منغما موسيقيا منسجما مع المعاناة التي يعيشها "بدر شاكر السياب " و ذلك، لا محالة، يؤثر في نفسية المتلقي.

و تأسيسا على ما سبق نخلص إلى أن النص الشعري قيد الدرس قد تمثل أيما تمثل لخطاب تكسير البنية  في الشعر العربي الحديث، حيث استجمع كل مقومات هذا التيار الحداثي المعاصر ، فجاء البناء الهندسي فيه مكسرا للبنية الشعرية العربية التراثية ،  كما عددت القصيدة الروي و نوعت القافية، و سيقت المضامين مبنية على رؤيا الشاعر التشاؤمية، واعتمد الشاعر معجما تتأسس مفرداته على خرق المألوف و المعتاد في تركيبها، و متحت الصورة الشعرية مادتها من الإنزياح و الخيال التوليدي وخلق علاقات جديدة بين الكلمات بحسب السياق والرؤيا الشعرية، متوسلة بالرمز والإيحاء،أما الإيقاع فنظم على مبدأ التفعيلة بدل الوزن الشعري الخليلي ، و اعتمد على السطر الشعري والجملة الشعرية وغيرها، وكلها خصائص تمتح من معين تيار تكسير البنية و تجديد الرؤيا على حد سواء .
و ختاما لا يسعنا إلا أن نقول بأن الشاعر العراقي الكبير " بدر شاكر السياب" قد ترك بصمات خالدة على صفحات القصيدة العربية الحديثة بنية و لغة وأسلوبا و إيقاعا…ليضعنا أمام بنية شعرية متماسكة، تستلهم النفس الذاتي/الوجداني في تمتين الوحدة العضوية للنص الشعري ، و تشتغل دراميا على صوتين متداخلين : صوت الشاعر و صوت الأم ، بين اليأس والأمل..

منهجية النص القصصي " البحار المتقاعد "

* الفئة المستهدفة : الثانية باك علوم إنسانية و آداب .
* الموضوع : منهجية النص القصصي " البحار المتقاعد " .

تعتبر القصة القصيرة شكلا حديثا من أشكال الخطاب السردي، عرفت تطورا ملحوظا لارتباطها بتعدد الوسائط، وهي بوصفها نموذجا سرديا تستجيب لقواعد الخطاب السردي في شموليته، لها مقومات ومبادئ أساسية ، قوامها الوحدة، أي وحدة الموضوع والانطباع والحدث، ونظرا لقصر حجم هذا النوع فإن الاهتمام فيه يقتصر على حدث معين انطلاقا من موضوع واحد بإمكانه أن يخلق انطباعا مخصوصا في ذهن المتلقي، ثم التكثيف والتركيز في أفكار القصة بعيدا عن الإطناب والاستطراد، ومن أعلام هذا الفن نذكر محمود تيمور وأحمد بوزفور ومحمد إبراهيم بوعلو التي تطفح نصوصه السردية بخبايا تناقضات المجتمع المغربي خصوصا. فما مضمون القصة ومغزاها؟ وما خصائصها الفنية؟ و ٱلى أي حد استطاع تجسيد تقنيات الكتابة القصصية المعاصرة ؟
أسئلة و أخرى سنحاول الإجابة عنها في معرض هذه القراءة المنهجية التحليلية القصة قيد الدرس.

  يتكون عنوان القصة، من الناحية التركيبية، من جملة بسيطة مبتدأها محذوف تقديره "هذا" والبحار خبر مرفوع والمتقاعد نعت للبحار تابع له، أما من الناحية الدلالية فنلاحظ أن الكاتب جمع بين البحار و المتقاعد، فقد يدل العنوان على أن الصياد متقاعد عن العمل ويمارس الصيد هواية، أو أن الصياد البحار متقاعد فعلا عن الصيد، بالرغم من أن التقاعد أو القعود في المخيال المغربي يرمز إلى الوهن والكسل والموت السريري حقا، فما علاقة هذا اللبس بمقصدية الكاتب؟
يتضح انطلاقا من عتبات النص إذن أن محمد إبراهيم بوعلو سيتحدث عن بحار متقاعد بلغ من الكبر عتيا، وليس له من العمل إلا ذكرياته، وسينتهي به القدر أخيرا إلى أن هذا البحر لم ولن يحن عليه. فكيف تتجلى هذه الافتراضات في ثنايا مضامين النص؟
تتحدث قصة "البحار المتقاعد" عن جد وحفيد يذهبان معا يوميا إلى شاطئ البحر ينتظران قدوم سفينة لغرض ما، إن الأمر أشبه بحدث يومي. فهل حقق هذان العاملان موضوع القيمة؟

لقد تخلل المتن الحكائي للنص ثلاث متواليات سردية نظمت حبكته، تشير إليها مجموعة من المقاطع كالآتي :
 1- المقطع الاستهلالي : تمثل في المتوالية الأولى من"كان يأخذ حفيده...إلى ورجع إلى البيت" وتتعلق هذه الوضعية البدئية بسير يومي للجد مع الحفيد إلى الشاطئ، وهما يتطلعان إلى الأفق.
2- المقطع الوسطي (سيرورات التحول ): تمثله المتوالية الثانية من "سأل الحفيد ...إلى هذا ما فكرت فيه أنا أيضا،و يتعلق هذا المقطع بحوار دار بين الأب وابنه حول سبب ذهاب الجد إلى الشاطئ بشكل دائم .
3- المقطع النهائي : تمثله المتوالية الثالثة من"ظل الأب يفكر بجدية في الحوار ..إلى كم كان البحر قاسيا معه"، وترتبط هذه الوضعية النهائية بإفشاء الحفيد سر جده بعد الحوار الذي دار بينه وأبيه.(لكم أنتم أن تعودوا إلى تفاصيل المتواليات السردية بمراحلها الثلاثة و جزئياتها على دفتر الدروس ).

إن هذه الأحداث المتوالية رهينة بقوى فاعلة ( انظر محور الشخصيات و علاقاتها على الدفتر مرحلة التحليل ).- قوى فاعلة- تحدثها أو تحدث لها، تختلف في أدوارها بحسب وظائفها العاملية في المسار السردي وفق النموذجين العامليين الآتيين اللذين يحددان بنية التفاعل بينها في تطور الأحداث الفرعية للقصة:

* النموذج العاملي الأول:

 1-  المرسل : الشوق.
 2- المرسل إليه : البحر .
3-  الذات : الجد.
4-الموضوع :عودة السفينة.
5- المساعد :الحفيد+الذاكرة.
6- المعاكس : الغروب .

* النموذج العاملي الثاني:

1-المرسل :الفضول+الجد.
2 - المرسل إليه : إشباع الفضول.
3- الذات : الحفيد .
4- الموضوع : معرفة أصدقاء الجد +الحقيقة.
5- المساعد :الجد+ البحر .
6- المعاكس :الأب+صغر سنه.

ينظر إلى هذين النموذجين العامليين باعتبارهما نسقا، حيث تجمع بين هذه العوامل علاقات ثابتة ثلاث :
1- علاقة تواصل بين العامل المرسل والعامل المرسل إليه.
2- علاقة رغبة بين العامل الذات والعامل الموضوع، 3- علاقة صراع بين العامل المساعد والعامل المعاكس.
 إن تحريك هذين النموذجين العامليين يتم من خلال الانتقال من النسق إلى الإجراء عبر ترسيمة سردية من أربع مراحل:
•    التحفيز: يتم في هذه المرحلة إقناع العامل الذات من قبل المرسل بالبحث عن موضوع القيمة، ففي النموذجين العامليين معا ينظر إلى العاملين المرسلين بوصفهما مقنعين معنويين، فالشوق محرك معنوي والفضول كذلك، لكن الجد عامل مرسل تنتفي فيه شروط التحريك والتحفيز والإقناع لغياب التواصل بينه والحفيد، وهذا ما سينعكس على البرنامج السردي للعامل الذات استقبالا.
•    القدرة: تتعلق القدرة بالشروط الضرورية التي يجب على العامل الذات أن يتوفر عليها ليكون مؤهلا للبحث عن موضوع القيمة، ففي النموذج العاملي الأول الجد مؤهل غير أنه ينقصه التنظيم في الذاكرة، أما النموذج العاملي الثاني فالحفيد غير مؤهل لأن علاقته بالمرسل ليس فيها تواصل وأهليته مرتبطة بأهلية الجد. وإذا كان العاملان معا غير مؤهلين فإن برنامجيهما السرديين سيكونان، لا محالة، فاشلين بالضرورة.
•    الإنجاز: ترصد هذه المرحلة الأساس في الترسيمة السردية الحالات والتحولات في علاقة العامل الذات بموضوع القيمة، ففي الحالة البدئية أو الوضعية الأولية العاملان معا منفصلان عن موضوعي القيمة، ثم في الحالة الوسطية  أو العقدة نجد أن العاملين معا نظرا لنقصهما في الأهلية جعل أمر بحثهما عن موضوع القيمة غير ذي جدوى، فلم ترسو السفينة في الشاطئ بعد طول انتظار، مما يجعل البرنامجين السرديين معا فاشلين لزوما، وظلت حالة الانفصال عن موضوع القيمة قائمة.
 
•    الجزاء: يعد المرحلة الأخيرة في الخطاطة السردية، إنه الحكم على المسار السردي بأكمله، فالبرنامجان السرديان معا فاشلان لأن العاملين معا غير مؤهلين، وهو شرط كاف لهذا الفشل.
وقد برزت الرؤية السردية من خلف في النص، وهي رؤية كان فيها السارد أكثر معرفة بشخصياته يستطيع سبر أغوارها والتعرف إلى خلجاتها، تشير إليها الإشارات اللغوية الآتية على سبيل المثال: "كل منهما يفكر في شيء"، يظهر أن الحفيد يتضايق.."، "وانتقل الأب يفكر بجدية في الحوار"، و في المقابل نشير إلى هيمنة الرؤية المصاحبة نتيجة هيمنة الحوار حيث تتحدث الشخصية بنفسها عن حالها ( حالة التساوي بين السارد و الشخصية ).
 تخدم هذه الرؤية غرض النص في الكشف عن تناقضات المجتمع المغربي الذي يرصده، أما من حيث التنظيم الزمني و المكاني في النص الذي يسيج الأحداث ويؤطرها، فلا نجد له مشيرات لغوية كثيرة لأن القصة عبارة عن حدث يومي يبدأ كل مساء في عرض البحر إلى جانب البيت الذي دار فيه الحوار بين الأب والابن، وفي ذلك إشارة من الكاتب إلى أن البعد الزمني غير مطروح في الذهنية المغربية.
وقد تعددت المكونات القصصية في النص مما جعله غنيا، إن السرد أساس العمل القصصي، وهو أن يتكفل السارد بنقل الأحداث مباشرة أو بطريقة غير مباشرة .
 أما الوصف فيعد تكسيرا لرتابة السرد وإغناء وتمطيطا له أيضا، كما أنه يريح السارد من عبء الحكي، ويكفي القارئ عناء تتبع الأحداث، وهو إما وصف خارجي أو داخلي، اقتصرت فيه القصة على وصف المظاهر النفسية الداخلية وحسب: "ولم أنت حزين هكذا؟"، "إن جدي يصيبه حزن شديد كل مساء".
 و بالنسبة للحوار في مساق هذه القصة فيقوم أيضا بتكسير رتابة السرد ورسم الشخصيات ثم الإيهام بواقعية الأحداث ، وترك الشخصيات تعبر عن نفسها بأسلوبها الخاص، و يؤشر على ذلك الحوار الذي دار بين الأب والابن لمعرفة سبب ذهاب الجد إلى الشاطئ. لقد تضافرت هذه المكونات السردية الثلاث في رسم معالم القصة إلى حد التداخل فيما بينها.
وقد هيمنت، من الناحية الأسلوبية، اللغة العربية الفصحى على النص، حيث إن الكاتب عمد إلى طبقة لغوية واحدة، ولم يترك لشخصياته فرصة التعبير عن نفسها بأسلوبها الخاص، بالرغم من أن الحوار هيمن على القصة، فلم يلتفت إلى التهجين أو العاميةأو غيرهما من الأساليب التي تعدد من الطبقات اللغوية في النصوص الحكائية عموما، كما يغلب على النص الاستفهام لأن الحوار هو المسيطر، ثم نقط الحذف ما دام الكاتب يريد إشراك القارئ المتلقي في تنظيم الأحداث وإغنائها وتحديد أبعادها، وتراه  يترك غالبا تدخل الشخصيات بين مزدوجتين.
لقد حاول محمد إبراهيم بوعلو من خلال هذه القصة تصوير معاناة بحار عجوز متقاعد لا زال يجتر ذكريات الماضي، ويحن إلى البحر الذي قضى به سنوات عديدة من عمره جعلته يداوم على زيارته كل مساء مصحوبا بحفيده الذي يلعب معه لعبة الانتظار الذي يغذي، ولو قليلا، شوقه وحنينه إلى ركوب الموج. إن الكاتب يريد إطلاعنا على نموذج مغربي يمتح من معين طبقات مسحوقة لم تعد تعش إلا على ذكرياتها، لما تعانيه من تهميش وإقصاء، كما يتحدث عن صراع الأجيال وعدم التواصل بينها، وهذا ما يؤرق التنشئة الاجتماعية المغربية عموما ويقض مضجع كل متبصر ذي رأي حصيف .

النص النظري : "علم اجتماع الأدب" - حميد لحمداني -

* المجزوءة الرابعة : المناهج النقدية الحديثة
* المحور الأول : المنهج النقدي الإجتماعي
* النص النظري : "علم اجتماع الأدب"  - حميد لحمداني -
* الفئة المستهدفة : الثانية باك آداب و علوم إنسانية .
_____________________________________________

- تقديم :
* النقد الأدبي هو عملية دراسة مختلف الإنتاجات الأدبية لتمييز الجيد من الرديء، وقد تعددت المقاربات النقدية حسب وجهة نظر وتخصص الناقد، فهناك المقاربة النقدية وفق المنهج التاريخي، والمقاربة النقدية وفق المنهج النفسي و المنهج البنيوي و المنهج الاجتماعي.
و فيما يخص المنهج الاجتماعي فهو يدرس الظاهرة الأدبية باعتبارها ظاهرة اجتماعية حيث يرى أن الأديب/المبدع لا يعيش ولا ينتج أدبه في معزل عن المجتمع.

* النص قيد الدرس مقالة فكرية نظرية، تحدد خصائص علم اجتماع الأدب وهو للناقد المغربي حميد لحمداني الذي يهتم بالدراسة النقدية للأدب وخاصة الرواية ، و له مؤلفات نذكر منها: “بنية النص السردي” و” النقد الروائي الايديولوجي” و “التحليل السوسيوبنائي للرواية”...
فما هي خصائص علم اجتماع الأدب حسب الكاتب ؟ وكيف عبر عن ذلك؟ و ما هي الآليات المنهجية و الأسلوبية التي اعتمدها لإقناع المتلقي ؟
أسئلة و أخرى سنحاول الإجابة عنها في مساق هذه القراءة المنهجية التحليلية للنص ؟

 * أولا: ملاحظة النص :

      ـ افتراض العلاقة الممكنة بين علم الاجتماع والأدب:
     ←الأدب يؤدي بوسائل وقوالب الإبداع الفني والجمالي وظائف تتصل بالإنسان والمجتمع , وبالتالي يمكن أن يشكل موضوعا للدراسة في علم الاجتماع.
      ـ المشيرات التي تدل على موقف الكاتب من العلاقة بين السوسيولوجيا والأدب:
   ←"فأي أدب كيفما كان لا بد أن يحتوي على مدلول (...)فمن الضروري أن يرتبط هذا المدلول بقضية اجتماعية ".
      ـ علاقة عنوان مصدر النص بموضوع النص :
   ← موضوع النص مدخل عام للدراسة الخاصة التي يحددها عنوان مصدر النص .

* ثانيا : فهم النص :

1-      تحديد اسم المنهج الذي يدرس الفن الروائي من وجهة نظر اجتماعية:
← المنهج الذي يدرس الفن الروائي من وجهة نظر اجتماعية يعرف بالمنهج الاجتماعي
2-      المقصود بجانب الدلالة في الأدب.
←الدلالة في الأدب تنتقل من الجانب الفني والجمالي إلى المعنى الذي يرمي إليه الفعل الكلامي لاستخلاص الفعل التكلمي.
3-      نظرة علم اجتماع الأدب إلى الجانب الجمالي في الإبداع الأدبي:
← علم اجتماع الأدب يرى الجانب الجمالي في الإبداع الأدبي وسيلة مساعدة وليس غاية في حد ذاته.
4-      القيمة التي يمثلها الأدب من وجهة نظر المنهج الاجتماعي :
    ← تتجلى قيمة الأدب من وجهة نظر المنهج الاجتماعي فيما يحمله من مدلولات تروج بالوسط الاجتماعي   .
5-      الهدف من البحث عن العلاقة القائمة بين العمل الأدبي والمجتمع من وجهة نظر علم اجتماع الأدب.
 ← يتمثل الهدف في الكشف عن أثر المجتمع في صياغة العمل الأدبي.
    6 ـ سبب اهتمام المنهج الاجتماعي بالرواية أكثر من غيرها من الفنون الأدبية الأخرى :
اهتمام المنهج الاجتماعي بالرواية راجع إلى كون الرواية تقدم أكثر عدد ممكن من القضايا الاجتماعية.
7 ـ سبب تأكيد "بليخانوف" على أن أول ما ينبغي للناقد أن يبحث عنه في العمل ألدبي هو المدلول الاجتماعي.
← "بليخانوف" يرى أن الأدب غني بالمضمون الاجتماعي يمكن من تحديد ما نسميه المعادل السوسيولوجي للظاهرة الأدبية.
8 ـ الخلاصة التي انتهى إليها الكاتب:
← الكاتب يؤكد على أن الفعل الأول في الممارسة النقدية هو البحث عن المضامين الاجتماعية للأدب .
9 ـ تقطيع النص إلى وحدات أساسية ووضع عنان مناسب لكل وحدة:
←المقطع الأول : نظرة سوسيولوجيا الأدب للعمل الأدبي (من بداية الفقرة الأولى إلى في الأدب)
←المقطع الثاني :علاقة الأدب بعلم الاجتماع (من فأي أدب ..إلى أو إنسانية شمولية)
←المقطع الثالث : الجوانب التي يركز عليها المنهج الاجتماعي في دراسته للأدب (الفقرة الثانية)
←المقطع الرابع: سبب اهتمام سوسيولوجا الأدب بالرواية (الفقرة الثالثة والرابعة والخامسة)
←دور الناقد "بليخانوف" في تطوير سوسيولوجيا الأدب وتحديد أسس المنهج الاجتماعي.(الفقرة السادسة)

* ثالثا : تحليل النص:

1 ـ القضية الأساسية التي يعالجها النص :
← النص يعالج خصائص المهج الاجتماعي في علاقته بالأدب.
2 ـ الألفاظ المعجمية الدالة في النص على المنهج الاجتماعي :
←سوسيولوجيا ـ قضايا اجتماعية ـ الوسط الاجتماعي ـ المضمون الاجتماعي.
3 ـ خصائص ومقومات المنهج الاجتماعي كما وردت في النص   :
←المنهج الاجتماعي يعتبر الأدب ظاهرة اجتماعية ويركز في دراسته للأدب اعتمادا على بعدها الاجتماعي .
4 ـ أهمية المعادل الاجتماعي بالنسبة للمنهج الاجتماعي :
← المعادل الاجتماعي هو ما يهم أساسا صاحب المنهج الاجتماعي في الأدب لأنه يفسر ارتباط الأدب بالقضايا الاجتماعية .
5 ـ الخطوات المنهجية التي سلكها الكاتب لعرض وجهة نظره في المنهج الاجتماعي:
← الكاتب بدأ بتحديد العلاقة بين المنهج الاجتماعي والأدب والأسس التي يرتكز عليها في تعامله مع الأدب ثم الاستشهاد بأحد منظري النهج الاجتماعي والخروج بخلاصة تركز الخصائص العامة للمنهج الاجتماعي.
6 ـ سبب جعل الناقد "بليخانوف "  الجانب الفني فعلا ثانيا في العملية النقدية :
    ← ما يهم الناقد "بليخانوف" في العملية النقدية هو المعادل السوسيولوجي الذي يفسر ارتباط الأدب بالقضايا الاجتماعية .

* رابعا : التركيب و التقويم :

اكتب خلاصة تركيبية- لما سبق -تحدد فيها أهمية المنهج الاجتماعي في دراسة العمل الأدبي . مبينا كيف يفسر المعادل السوسيولوجي ارتباط الأدب بالقضايا الاجتماعية .

*** توقيع الأستاذ : عزيز سشا ***

مكون التعبير و الإنشاء : مهارة كتابة موضوع إنشائي متكامل حول نص مسرحي / - الفئة المستهدفة : الثانية بكالوريا آداب وعلوم إنسانية .


*مكون التعبير و الإنشاء : مهارة كتابة موضوع إنشائي متكامل حول نص مسرحي / - الفئة المستهدفة : الثانية بكالوريا آداب وعلوم إنسانية .

* خطوات بناء المهارة :

* أولا : المقدمة .
1- التأطير والملاحظة:

أ- تأطير النص الإبداعي (المسرحي) ضمن سِياقه الأدبِي والثقافِي، مع التعريف بجنسه، والإشارة إلى خصائصه الفنية ورواده.

ب- طرح إشكاليات القراءة.

ج- الانطلاق من مؤشرات داخلية / خارجية للنص، وصياغة الفرضية.

* ثانيا : العرض .

* الفهم:

- تعرف موضوع النص وتلخيص أحداثه.

* التحليل:

- تقطيع القصة إلى متواليات سردية وفق مراحل الخطاطة السردية (وضعية البداية، سيرورات التحول، وضعية النهاية).

- جرد القوى الفاعلة:

-القوى الآدميّة:  الشخصيات: أدوارها وصفاتها النفسيّة والاجتماعية.

-القوى غير الآدميّة: المواقِف والمؤسسات و التيمات النفسية...

-الزّمان: (زمن السّرد + زمن الأحداث).

-المَكان: (الرئيسي+ الثانوي ).

- تحديد الأسلوب:

- الحِوار: (الحوار الخارجي + الحوار الداخلي "المونولوج " ).

- الوَصف : (الوصف الخارجي "الموضوعي" + الوصف الداخلي/الذاتي ).

- الحبكة: (مترابطة – مُفكَّكة).

- الإرشادات المَسرحية (العبارات المؤطرة بين قوسين يكتبها الكاتب لمساعدة المخرج على إخراج مسرحيته ).

- تَحديد النّموذج العاملي وعلاقاتِه (الذات+الموضوع+المرسل+المرسل إليه+المساعد+المعاكس)

* ثالثا : التركيب والتقويم:

- تركِيب نتائج الفهم والتّحليل بالأسلوب الشخصي وكشف مَقصِديّة الأحداث ورهانها.

- ابداء الرأي الشخصي وتعليله في اتجاه النص وأبعادِه.

منهجية كتابة موضوع إنشائي متكامل حول نص نثري / قصصي .

* مكون التعبير و الإنشاء / * منهجية كتابة موضوع إنشائي متكامل حول نص نثري / قصصي .

* خطوات بناء مهارة كتابة موضوع إنشائي متكامل حول نص نثري/قصصي .

- أولا : التقديم : تأطير النص ضمن سياقه الأدبي الذي ينتمي إليه :

- تعريف القصة القصيرة بإيجاز وبتركيز .
- الإشارة إلى دواعى ظهورها في العالم العربي: مواكبتها للتحولات الفكرية والثقافية والسياسية...- المثاقفة مع الغرب – تلبيتها لطموحات المثقفين في الاقتراب أكثر من تفاعلات الحياة اليومية – مسايرتها لتعقيدات العصر وديناميته.
- ذكر أبرز روادها في المشرق والمغرب..
- تحويل المطلوب إلى أسئلة من قبيل :
- ماهي أحداث القصة وما أبعادها ؟ - كيف عبر القاص عنها فنيا ؟ - إلى أي حد مثل النص القصصي في بعده الفكري والفني ؟

- ثانيا : العرض :

1- الملاحظة :
- طرح فرضية أو فرضيات مناسبة من خلال قراءة بعض المؤشرات النصية و الخارج نصية +  تحديد نوعية النص /القصة القصيرة/ وموضوعه.

2 – الفهم:
 - تتبع أحداث القصة أو ما يدعى بالمتن الحكائي. ويجب الالتزام بالمطلوب كتقطيع القصة إلى متواليات سردية وتحديد أحداثها أو تقديم تلخيص بالأسلوب الشخصي.

- 3 - التحليل :
 –تنظيم المتواليات السردية في خطاطة سردية : الوضعية البدئية - الوضعية الوسطية ( الحدث الطارئ و تطورات الأحداث والنتيجة ) - الوضعية النهائية .

✓ قد يطلب تقطيع القصة وفق خطاطتها السردية أي المزج بين تحديد الأحداث (المتواليات السردية ) و الخطاطة السردية .

–جرد القوى الفاعلة : يستحسن التدرج من :

أ – القوى الآدمية : الشخصيات بتقسيمها إلى رئيسة وثانوية وتحديد صفاتها المادية والاجتماعية والنفسية وتببيان طبيعة العلاقة بينها .

ب –القوى الحيوانية :  إن وجدت وكان لها دور فاعل في تحريك الأحداث .

ج – الجمادات : مثل السيارة – أداة حادة كالسكين- المسدس ...

د – المعنى المجرد : وقد يكون فكرة أو إحساسا / الانتقام – الغيرة - الخيانة...

– النموذج العاملي / البنية العاملية : يتم رسم خطاطة للعوامل الستة بتوظيف القوى الفاعلة السالفة الذكر :

الذات ----- الموضوع-----المرسل ----- المرسل إليه ----المساعد ------ المعاكس .

✓ يستحسن البدء بالذات و هي عادة الشخصية الرئيسية ثم تحديد موضوعها المرغوب فيه ، ثم بقية العوامل الأخرى .

( تكتب عموديا تحت العامل المساعد .نفس الشئ نقوم به مع العوامل التي عرقلت الذات وحالت دون وصولها إلى مبتغاها ) .

بتحديدنا لهذه العوامل الستة يتضح لنا المرسل الذي هو المحفز والمحرك والمرسل إليه وهو المستفيد من وصول الذات إلى موضوعها .

✓ بعد رسم هذه الخطاطة (النموذج العاملي ) و ملئها بالعوامل المناسبة يتم استنتاج العلاقات الآتية :
- علاقة الرغبة بين الذات و الموضوع.
- علاقة تواصل بين المرسل و المرسل إليه .
- علاقة صراع و تضاد بين المساعد و المعاكس (المعارض).

- تبيان البعد الاجتماعي : محاولة الإجابة عن أسئلة من قبيل: ماهي القضايا الاجتماعية في القصة؟
(ظاهرة الفقر – انعدام فرص الشغل - استغلال الفقراء و الأطفال و المرأة .. - المعاناة من مشاكل اقتصادية أو اجتماعية ...ويمكن جرد الفئات الاجتماعية من النص وتبيان القيم التي تمثلها مثلا فئة العمال قد تمثل الشقاء والكد المضني . فئة الأغنياء قد تمثل التسلط واستغلال النفود ..)

 – دراسة البعد النفسي :

تحديد الموضوعات/ التيمات النفسية التي أفرزتها مواقف الشخصيات المعلنة والمضمرة أي جرد ما يمثل العواطف والانفعالات :كالحب والكراهية والحقد والحزن والطموح والطمع والانتهازية والأنانية والتشاؤم والتفاؤل والإحباط والخيبة والغيرة ... وتبيان دورها . و يمكن تحديد طبيعة العلاقات العاطفية بين الشخصية المحورية وباقي الشخصيات :علاقة توتر أو تقدير أو نفور ..


- توضيح المنظور السردي : من يضطلع بالسرد ؟ أي من السارد ؟ و ما رؤيته السردية ؟هل هي الرؤية من خلف ؟ أم الرؤية مع/ المصاحبة ؟ أم الرؤية من خارج ؟ و بأي ضمير يسرد ؟ ضمير المتكلم الذي يؤشر على الحضور والمشاركة. أم ضمير الغائب الذي  يشير إلى الغياب .

 – تبيان الفضاء الزماني و المكاني :
- الزمان :
أ – الزمان الطبيعي أو الفيزيائي كل الأوقات والأزمنة: الليل والنهار و الساعات ....

ب – الزمن التاريخي : كفترة الإستعمار - المسيرة الخضراء ...

ج – الزمن النفسي : وهو زمن ذاتي يطول ويقصر حسب نفسية الشخصيات فالأزمات تطيل الزمن والأفراح تقصره.

 – المكان /تحديد أبعاده الحجم والمساحة / شساعة أو ضيق /-جرد مكوناته وأثاثه .. ودلالة ذلك على الفقر أو الغنى أو التوجه الأيديولوجي أو الحالة النفسية - تبيان علاقة الشخصيات بالمكان : علاقة محبة أو نفور ...

 – بنية القصة : دائرية تنتهي بما بدأت به – حلزونية تنطلق من نقطة أو حدث لتعود إليه - خطية متسلسلة أو متقطعة ..

– الحوار: بنوعيه الخارجي بين الشخصيات والداخلي أو المونولوج حين تحاور الشخصية ذاتها

- لغة القصة : طبيعة الجمل - زمن الفعل المهيمن - الإيجاز و التكثيف الدلالي ..

ثالثا– التركيب و التقويم :

* استخلاص أبرز النتائج المتوصل إليها من خلال مرحلتي : الفهم والتحليل وتبيان مقصدية القاص وهدفه من القصة .

* إبداء الرأي الشخصي حول مدى تمثيلية النص قيد الدرس لجنس القصة القصيرة في بعدها الفكري والفني أي قدرتها على معالجة قضايا الساعة والتزامها بأبرز خصائص الكتابة السردية القصصية .

*** توقيع : الأستاذ عزيز سشا ***

مكون المؤلفات : القراءة التحليلية الرواية / المنظور الثاني: تقويم القوى الفاعلة

المنظور الثاني: تقويم القوى الفاعلة :

1- جرد القوى الفاعلة:
 القوى الفاعلة لا تنحصر في الشخصيات فحسب بل تشمل كذلك المؤسسات والأفكار والقيم والمشاعر، وكل شيء يساهم في تحريك الأحداث، وبالعودة إلى المتن الروائي " اللص والكلاب " أمكننا جرد القوى الفاعلة التالية :
أ- الشخصيات : تنقسم شخصيات "اللص والكلاب" إلى : رئيسية وثانوية وعابرة، و سنحاول تقديم خصائصها ومواصفاتها بدءا بالرئيسية و انتهاءا بالشخصيات العابرة.

أ- الشخصيات : خصائصها وصفاتها :

* سعيد مهران :شاب مصري مثقف ، تحمل مسؤولية أسرته منذ الصغر، توفي أبوه وبعده أمه، مؤمن بمبادئ المساواة والعدل و الكرامة والإنصاف ، مناصر للمظلومين والكادحين ، ناضل من أجل تحقيق مبادئ الاشتراكية على أرض الواقع ، حريص على الانتقام من نبوية(طليقته) وعليش اللذان غدرا به وأدخلاه السجن،ومن رؤوف علوان الذي تنكر لمبادئ الحزب والنضال، يعاني من فراغ روحي وقلق وجودي وغربة وضياع، و ظل أسير الحقد والكراهية والانتقام ، و هو رمز للكادحين والفقراء المناضلين من أجل
القيم.

* رؤوف علوان : طالب قروي، مناضل مؤمن بالتغير، له قدرة على التأثير بأسلوبه في محاوريه، أكمل دراسته ثم تحول إلى صحفي ناجح، انتهز الظروف السياسية الجديدة فتحول إلى قلم برجوازي مأجور، تنكر لأصوله الكادحة،ولطبقته،متطلع بشغف للحياة البورجوازية أكلا وملبسا ومسكنا، يشوه الحقائق ويؤلب الرأي العام ضد سعيد مهران و يصوره مجرما خطيرا. و هو رمز للبرجوازية القاسية على الفقراء.

* عليش سدرة : غريم (عدو ) سعيد مهران ،المستفيد من سجنه والمستولي على طليقته وابنته وجميع ممتلكاته ،متحايل و انتهازي خائف على مصيره الشخصي ومتخذ لجميع الاحتياطات حتى لا ينال منه خصمه سعيد مهران..و هو رمز لخيانة الأمانة و  الصداقة.

* الشيخ علي الجنيدي : زاهد عابد و متصوف، له انشغالاته الروحية في مقامه ، بعيد عن الواقع المعيش، يحاول تبرير الواقع بالغيبيات لأنه مستفيد من الوضع السياسي السائد،  يشكل نوعا من الاطمئنان النفسي والروحي لشخصية سعيد مهران  يلوذ إليه دائما في أوقات الشدة ...و هو رمز للتصوف والفكر الديني.

* نور :  عنصر مساعد للشخصية الرئيسة سعيد مهران و هي : مومس (بائعة هوى )، قست عليها الحياة الاجتماعية – متوسطة الجمال– مستسلمة لرغبات الزبناء – مغرمة بسعيد مهران وترغب في الزواج به.. وفرت له الطعام و السكن والجرائد والسيارة .. تمثل رمزا للإباحية والقيم المفقودة ..

* المعلم طرزان : صاحب مقهى شعبي – صديق سعيد، وفر له المسدس وأمده بمعلومات هامة ساعدته على الإختفاء عن أنظار رجال الأمن (البوليس).و هو رمز للصداقة القوية..

* نبوية : زوجة سعيد مهران السابقة، وأم سناء أحبها سعيد بصدق وظل يحلم بالاستقرار الدائم  إلى جوارها مع ابنتهما " سناء" بعد خروجه من السجن،لكنها تنكرت له وارتبطت بعليش السدرة الخائن .. فهي إذن رمز للخيانة الزوجية.

* سناء : هي موضوع الصراع بين الأب الطبيعي سعيد مهران و زوج الأم عليش سدرة ، لم
تتعرف على أبيها، تبدو خائفة و مضطربة أثناء اللقاء الذي جمعها بوالدها الحقيقي سعيد مهران. فهي إذن رمز للبراءة المغتصبة.

* المعلم بياضة صديق سابق لسعيد و شريك عليش، خان صديقه الأول، وكاد أن يؤدي ثمن هذه الخيانة أثناء لقائه بسعيد مهران الباحث عن المكان الجديد الذي استقر به عليش و نبوية.


ب - المؤسسات: هناك عدة مؤسسات فاعلة في أحداث الرواية ومؤثرة على شخصياتها نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر : السجن باعتباره أول مكان يؤطر فضاء الرواية، أثناء تواجده به حصلت
الخيانة، وتحققت أهداف الانتهازيين، وهناك الصحافة التي أثرت في جهاز الشرطة والرأي العام المنقسم إلى معارض و مناصر لسعيد مهران، ثم هناك المدرسة والجامعة التي شكلت نعمة لرؤوف علوان ومصدر وعي شقي لسعيد مهران..

ج- الجمادات : متنوعة بين الحارة و المقهى ومنزل نور و ڤيلا رؤوف علوان والجبل و المقبرة و الشوارع وعمارة سكن الطلبة و مقام الشيخ علي الجنيدي، والتي تركت آثارها القوية أو الضعيفة في نفسيات شخصيات الرواية، فهي تحتضن أهم الذكريات، لذلك تم استرجاعها أحيانا، أو محاولة نسيانها.. كما هو
الشأن بالنسبة لرؤوف علوان و عليش المتنقل من منزل لآخر خوفا على حياته من انتقام سعيد مهران..

د- القيم والمشاعر: تتنوع هذه القيم والمشاعر بين القناعة و الاستسلام للأمر الواقع ويمثلها الشيخ علي الجنيدي، والانحراف والخروج عن القوانين، و يتجسد ذلك في شخصية المومس نور و المتاجرين في الممنوعات من ذوي السوابق كطرزان و غيره، ثم الرغبة في الغنى والثراء على حساب القيم الأصلية والانتماء الطبقي، ويبرز ذلك جليا في التسلط الطبقي لرؤوف علوان، في مقابل الالتزام الإيديولوجي و الإيمان الصادق بالعنف الثوري المجسد في شخصية سعيد مهران، أما عليش فيمثل أعلى درجات الشخصية الانتهازية التي لم تكتف بسرقة أموال صديقه بل استولى على زوجته و ابنته
وكل ممتلكاته، مما جعل مسألة الانتقام منه و من نبوية تحتل مركز الاهتمام لدى سعيد مهران..

ولعل أهم الشخصيات التي عاشت عدة مشاعر متناقصة ومتضاربة و عميقة هي شخصية
سعيد مهران، لأنه عاش خيانة مزدوجة:
- الأولى اجتماعية من زوجته وصديقه عليش.
-الثانية إيديولوجية ثقافية من طرف أستاذه و معلمه السابق رؤوف علوان الشيء الذي جعله يحس
بالمهانة والخزي والعار أمام أسرته و أصدقائه و ذاته، فقرر الانتقام من جميع الخونة..
وهكذا يظل جرد القوى الفاعلة – شخصية كانت أو مؤسسات (جريدة الزهرة ..)أو جمادات (المسدس+البذلة...) أو حيوانات ( الكلاب البوليسية ) أو قيما و مشاعر (الخيانة..) الحاملة لحركة الفعل التي تمارسها الشخصيات في نطاق الرواية أساسية و جوهرية مهمة في التحليل، لأنها تساهم بطريقة ما من الطرق في تفعيل و إنماء الأحداث و الوقائع و ديناميتها.

القراءةالتحليلية لرواية "اللص و الكلاب"/ المنظور الأول: تتبع الحدث .

* القراءةالتحليلية لرواية "اللص و الكلاب"

1- المنظور الأول: تتبع الحدث:

* أ- المتن الحكائي للرواية:

تحكي رواية اللص والكلاب حكاية مثقف بسيط يدعى" سعيد مهران"، دخل السجن وخرج منه في عيد الثورة، بعد أن قضى فيه أربع سنوات غدرا ، دون أن يجد أحدا في انتظاره، ويقرر بعدها الذهاب إلى منزل "عليش" لاسترجاع ابنته سناء وماله وكتبه، ويفشل في ذلك وتسود الدنيا في وجهه أكثر عندما أنكرته ابنته "سناء" ورفضت معانقته لأنها لا تعرفه ، وللتخفيف من حدة الانفعال وإحياءا لبعض ذكريات ماضيه مع أبيه قرر الإستقرار مؤقتا بمقام" الشيخ علي الجنيدي"،الذي قضى عنده ليلته، ولكن روحانية المكان وطقوسه الخاصة وأجوبة علي الجنيدي الغامضة والموغلة  في الروحانيات، جعلت "سعيد مهران" لا يرتاح كثيرا للمكوث بهذا المكان المفعم بالمنشدين والمريدين، لذلك قرر أن يلتقي بأستاذه "رؤوف علوان" الصحافي في جريدة"الزهرة" و الذي
أصبح من الأثرياء بهدف تشغيله معه في مقر  الجريدة، و هكذا توجه في البداية إلى مقر هذه الجريدة، ثم بعدها نحو ڤيلته(منزله)، وهناك سيفاجأ "مهران" بفكر جديد لرؤوف علوان يقدس
المال ولا يكترث للمبادئ والقيم النضالية و الإشتراكية ، كما سيفاجأ برغبته في إنهاء علاقته به
و بخاصة عندما رفض طلب تشغيله وأعطاه فقط مبلغا من المال ، مما اضطر سعيد مهران إلى التفكير في الإنتقام منه ، فقرر العودة مرة أخرى إلى ڤيلته في تلك الليلة لسرقتها لكنه وجد "رؤوف علوان" في انتظاره لأنه كان يقرأ أفكار تلميذه السابق ، فهدده بالسجن واسترجع منه النقود وطرده من المنزل ، فخرج سعيد ليلتها مهزوما ومشاعر الحقد
والانتقام تعربد في بواطنه ، لقد اكتمل إذن ميثاق الخيانة و باكتماله تبدأ رحلة الإنتقام ، وتسود الدنيا في وجهه ولا يجد ملاذا أفضل من مقهى "المعلم طرزان" ، الذي لم يتردد في إعطائه مسدسا سيكون له دور فاعل في عملية الإنتقام ، وفي نفس المكان سيلتقي بصديقته السابقة "نور " التي بدورها و بدافع حبها الشديد له منذ كان حارسا لعمارة الطلبة، ستوفر له المأوى و المأكل والمشرب و الجرائد و السيارة (سيارة ابن صاحب مصنع الحلويات )، ولما توفرت له شروط الإنتقام "المسدس والسيارة" اتجه مباشرة لقتل "عليش سدرة" في منزله لكنه لم ينتبه -بفعل العتمة التي تخيم على المكان- فأطلق النار على الضحية "حسين شعبان" الرجل البريء الذي اكترى شقة "عليش" بعد رحيله، لكن "سعيد مهران" لم يعرف خطأه  هذا حتى اطلع على الجرائد في اليوم الموالي ، و في خضم هذه الأحداث استغلت" جريدة الزهرة" بزعامة رؤوف علوان هذه الأوضاع وبدأت تبالغ في وصف جرائم سعيد مهران وتصفه بالمجرم الخطير الذي يقتل بدون وعي حتى تؤلب  الرأي العام حوله ، الشيء الذي سيشعل نار الغضب في قلب مهران الذي سيقرر قتل رؤوف خاصة بعدما ساعدته نور في الحصول على بذلة عسكرية (بذلة الضابط)، فيستهل مهمته بالقبض على المعلم "بياظة" بهدف معرفة الإقامة الجديدة لعليش ونبوية لكن بدون جدوى ، و بعدئذ استقل سيارة أجرة ثم اكترى قاربا صغيرا ليتجه صوب قصر رؤوف علوان ، للانتقام منه وفور نزوله من سيارته أطلق سعيد مهران رصاصاته الطائشة في اتجاهه إذ لم يصب إلا "بواب قصر علوان"  بدل غريمه،
وأثناء اطلاعه على الجرائد التي أمدته بها نور تعرف على خطئه فأحس بندم شديد ، و اسودت الدنيا في وجهه مع استمرار جريدة" الزهرة" في تحريض و تأليب الرأي العام ضده ، إلى أن انتهت حياته في مكان المقبرة بعد أن حاصره رجال الأمن و طوقوه و أطلقوا عليه الرصاص من كل جانب فاستسلم بلا مبالاة.

* ب- الحبكة:

الحبكة هي النسيج الذي يرصد الأحداث في اتصالها وانفصالها واتجاهاتها، وتنقسم إلى تقليدية تتوالى فيها الأحداث بشكل متسلسل، وأخرى مفككة لا تخضع لتسلسل منطقي، ويبدو أن الحبكة المعتمدة في رواية اللص والكلاب، تقليدية(توفرها على لحظة التنوير) بدليل قيامها على الأسباب المؤدية إلى النتائج، فكل حدث فيها يؤدي إلى حدث و هذا الحدث يتسبب في ظهور حدث آخر  وهكذا تقوم الأحداث على مجموعة من الأسباب ، فالخيانة التي تعرض لها سعيد دفعته للانتقام و اكتراء حسين شعبان لمنزل عليش سدرة جعلت الرصاصة تصيبه، ووشاية عليش ونبوية جعلت سعيدا يدخل السجن....

* ج- الرهان:

ينقسم الرهان دائما إلى :
- رهان المحتويات: ويتأسس حول الشخصيات والموضوعات المتنازع عليها.
- رهان الخطاب ويتأسس على علاقة المؤلف مع المتلقي أو علاقة النص مع المتلقي.
وإذا عدنا إلى متن رواية "اللص والكلاب" وجدنا أن رهان المحتوى الذي له علاقة بالشخصيات يتراوح بين الفشل والنجاح، فسعيد مهران يفشل في تحقيق رهانه الكلي المتمثل في تحقيق مشروعه النضالي وتحقيق العدالة الاجتماعية، ويتراجع عن هذا الرهان إلى رهان آخر جزئي وهو الانتقام من خصومه دون أن يحققه، بخلاف غريمه رؤوف علوان الذي استطاع تحقيق رهانه المتجسد في الحصول على الثروة و إن كانت الطريقة فيها نوعا من الوصولية و الانتهازية. أما رهان الخطاب أو النص ككل فيمكن حصره في كون المحاولات الفردية التي أرادت تغيير الواقع انتهت سريعا إلى الفشل ، إذ لا يمكن لفرد مهما أوتي من ذكاء وعزيمة و إصرار أن يغير واقع أمة مهما كان الواقع مأساويا وظالما ، فالتضحيات يجب أن تكون جماعية لكي يتحقق انتصار الخير على الشر ، والحق على الباطل، والعدل على الظلم .

* د- دلالات الحدث وأبعاده :

 إن كل الإشارات التاريخية التي وردت داخل رواية "اللص والكلاب" ، تشير إلى أن الرواية لها علاقة بواقع مصر السياسي والإجتماعي لما بعد الثورة المصرية سنة1952م .من هذا المنطلق أمكننا القول و من خلال الأحداث و الوقائع التي وقعت لسعيد مهران والذي وجد نفسه فجأة يعاني من تفكك أسري و فكري ، أن رواية اللص والكلاب رواية تتغيى (تهدف) بأبعادها كشف واقع مصري مهترئ و متصدع يعاني معاناة اجتماعية و نفسية حادة نتيجة السلوك الانتهازي لبعض الأفراد الذين غيروا قناعاتهم النضالية و مواقفهم استجابة لمتغيرات نهاية مرحلة
الخمسينيات والستينيات ونتيجة لإرضاء مآربهم الشخصية، ودمروا بمواقفهم المتغيرة و المتذبذبة أسرا كثيرة وحكموا على الشعب بأكمله بالفاقة و الفقر والجوع والقلق الوجودي و الروحي .

* توقيع الأستاذ : عزيز سشا *

* مكون المؤلفات : رواية اللص و الكلاب : القراءة التوجيهية


أ – اسم المؤلف نجيب محفوظ:
*  كاتب مصري معروف ولد سنة 1912م، بحي الجمالية في القاهرة وهي منطقة شعبية وصفها في
الكثير من رواياته، منها " خان خليلي" نشأ في أسرة متوسطة درس الفلسفة بكلية الآداب
وتخرج منها سنة 1934م ، وحصل على جائزة نوبل للآداب سنة 1988م بسبب دوره الرائد في
ازدهار الفن الروائي العربي بصفة خاصة والعالمي بصفة عامة، وقد ترجمت قصصه ورواياته
إلى العديد من اللغات، ومن أشهر أعماله الروائية نذكر" همس الجنون، كفاح طيبة،
بداية ونهاية،قصر الشوك، ثرثرة فوق النيل،خمارة القط الأسود، حكاية بلا بداية
ونهاية،أولاد حارتنا......
و ما يهمنا أكتر في حياته هو أنه عايش ثورة مصر سنة
1952م واستوعب التحولات الاجتماعية والسياسية وأثرها على نفسية الشعب المصري،
والرواية قيد التحليل رواية واقعية ينتقد من خلالها نجيب محفوظ واقع مصر الجديد بعد
ثورة مصر 1952م.

ب – عنوان المؤلف" اللص والكلاب"
العنوان هو أول خطاب
لفظي يواجه القارئ، ويوجه أفق انتظاره للنص، بل يلخصه له في أحيان كثيرة، لذا كان
من البد أن نقف على عنوان المؤلف" اللص والكلاب" وقفة تجعلنا نقتحم النص بفرضيات
سنتأكد من صوابها.
يتألف عنوان النص تركيبيا من لفظتين هما "اللص" و"الكلاب"
بينهما حرف عطف الواو، الذي يؤكد وجود علاقة بينهما،أما دلاليا فتوحي لفظة اللص إلى
ذلك الشخص الخارج عن القانون والمستولي على ممتلكات الغير، والذي جرمته كل الديانات
السماوية وأصدرت ضده عقوبات متفاوتة، والذي يرمز خلافا للكلاب للخيانة والغدر،
بينما الكلاب ترمز للإخلاص والأمانة والوفاء لدرجة ربط الوفاء بهذا الحيوان الأليف
فهل يعكس لص الرواية وكلاب الرواية هذه الدلالات؟
إذا ما نحن حاولنا ربط العنوان
بأحداث الرواية أمكننا استنتاج أن اللص هو سعيد مهران، لكن بصفات الوفاء
والإخلاص لأنه أخلص لمبادئ الثورة ،أما الكلاب فهي إشارة إلى كلاب إنسانية، مجسدة
في شخص كل من نبوية، وعليش، و رؤوف علوان ، لكن بصفات الغدر والخيانة، لأن كل هذه
الشخصيات قد مارست الغدر والخيانة في وجه سعيد مهران، الشيء الذي جعل أحداث الرواية
تميل إلى التراجيديا أو إلى دراما الروايات البوليسية.

استخلاص البنية في رواية اللص و الكلاب


يسعى هذا المنظور إلى دراسة نظام النص العام، و البحث عن وحداته، و المبادئ التي تنتظم بواسطتها هذه الوحدات. ذلك أن النص يتأسس على مجموعة من العلاقات الدلالية و التركيبية التي تمنحه صورة معينة. و تنجم بنية النص عن تأليف مجموعة من صيغ التنظيم التي يمكن الكشف عنها عبر محاور من مثل:


  * بنية التأليف: يتتبع نجيب محفوظ في رواية ( اللص و الكلاب ) شخصية محورية تتمثل في شخصية "سعيد مهران" ، و يبتدئ هذا التتبع بلحظة خروج سعيد من السجن، لينتهي بلحظة استسلامه لرجال الشرطة بلا مبالاة، و بين لحظتي البداية و النهاية تشكلت الرواية من ثمانية عشر فصلا. إن ما يجمع بين فصول هذه الرواية ليس هو وحدة الشخصية المحورية فيها فحسب، بل أيضا تركيبة التقنيات الروائية المعتمدة فيها من : استباق و استرجاع و حذف و خلاصة ... مما أتاح للروائي التركيز على حبكة البطل، و كذلك استدعاء ما يسلط الضوء عليها، و يساعد المتلقي على تلقيها في شروط إيجابية. و هذا التعدد في توظيف التقنيات هو الذي يتيح للقارئ قراءة الرواية من وجهات متعددة و مختلفة: إذ يمكن قراءتها باعتبارها "رواية الشخصية"، كما يمكن قراءتها على أنها " رواية اجتماعية"، أو رواية استبطانية تستكنه الشفافية الداخلية... إلا أنها، في جميع الأحوال، رواية تعبر عن احتجاج الفئات الفقيرة داخل المجتمع المصري على مظاهر الفساد الاجتماعي من زيف اجتماعي و تنكر للمبادئ و الاستغلال و الانتهازية ...
   * التنظيم الزمني: تترك رواية "اللص و الكلاب" في المتلقي انطباعا بكونها رواية اجتماعية تقدم نموذجا لمعاناة الفئات الفقيرة في المجتمع المصري، لكنك عندما تغوص في عبقرية نجيب محفوظ، و قدرته على التلاعب بالزمن، تقف على إبداعه في تحويل الزمن إلى أداة تشخص بقوة أسئلة الفرد في هذا الزمن القاهر الذي لا ينسجم معه. من هنا فإن الزمن الطبيعي لا يبدو كثير الأهمية في الرواية إذا ما قيس بالزمن النفسي الذي ركزت عليه الرواية و جعلته نافذة تطل من خلالها دقائق الأمور و جزئياتها. لقد تميز الروائي في هذا الجانب المتعلق بالزمن النفسي/ الشخصي، إذ يسكت عن السنوات الطويلة في عالم الواقع، و يقف عند التمفصلات الزمنية في حياة الشخصية ، حيث نكتشف أن الزمن النفسي مرتبط بالشخصية، لا بالزمن، إذ الذات تتخذ مكان الصدارة، و يفقد الزمن معناه الموضوعي ليصبح منسوجا في خيوط الحياة النفسية. و يتجلى هذا الزمن في رواية "اللص و الكلاب" في الأزمة التي يعيشها سعيد مهران و ما تسببه في نفسه من إحباط و خيبة و عزلة...، فبمجرد ما تخطى أزمة السجن، حتى وجد نفسه داخل دوامة أزمة جديدة هي أزمة الخيانة المركبة التي عاشها مع كل من (نبوية و عليش و رؤوف)، مما جعل العالم يبدو في عينيه متأزما، متدهورا، أجوف لا روح فيه، ذلك أن جميع القيم التي آمن بها و ضحى لأجلها قد لابسها التحول في ممارسات الخونة، فاقلبت نبوية من محبة إلى خائنة، وعليش من تابع إلى واش، و رؤوف من معلم لقيم الاشتراكية إلى انتهازي و ليبرالي فاسد.
  *  التنظيم المكاني: لا يعتمد نجيب محفوظ المكان، في روايته هاته، إطارا تزيينيا أو تكميليا، يؤثت به فضاء الرواية، بل يعتمده مكونا أساسيا يبوح بما يفكر فيه الروائي، و يتيح إمكانية الكشف عما تعانيه الشخصية من صنوف الوحدة و الاغتراب و المعاناة. و يمكن كشف هذا التنظيم في الرواية من خلال الفضاءات التالية:
        السجن: المكان الذي تنفتح عليه الرواية، قضى فيه سعيد مهران أربع سنوات فقد خلالها حريته و عانى العزلة و الحصار و مرارة اكتشاف الخيانة. هو فضاء العقاب بدل أن يكون فضاء الإصلاح.
        بيت الجنيدي: مكان إقامة الشيخ علي الجنيدي الزاهد المتصوف، صديق والد سعيد، يحمل هذا الفضاء لرواده إحساسا بالسكينة و الطمأنينة، هو مأوى لا ينغلق أبدا، يلوذ به سعيد حين تشتد الأزمات عليه، غير أنه لا يشعر فيه بالراحة طالما لم يحقق انتقامه، ذلك أن مذهبه مختلف عن مذهب الشيخ.
        عطفة الصيرفي: فضاء يحيل سعيد على مفارقة شعورية، إذ فيه جزء من ذكرياته مع نبوية، أيام الحب و الوفاء، كما فيه ذكرى الاعتقال متلبسا بسرقة قضى إثرها عقوبة سجنية دامت أربع سنوات. لذلك تختلط اتجاهه مشاعر الرضى و مشاعر الامتعاض.
        شقة نور: فضاء كان يحقق لسعيد جزءاً من توازنه النفسي في مرحلة تخلى عنه الجميع و آوته نور في بيت متواضع، يطل على المقابر. فرغم أنه كان يحس بالضيق و التبرم من عدم قدرته على التصرف بحرية مخافة إثارة انتباه الجيران إلا أنه كان يجد في المكان قدرا من إنسانية مفقودة خارجه.
        مقهى طرزان: مكان التقائه بنور ماضيا و حاضرا، إضافة إلى كونه يمكنه من تلقي المعلومات عن أعدائه، و الأهم أنه في هذا المكان حصل على المسدس الذي يمكنه بواسطته الانتقام من الذين خانوه.

و تحضر في الرواية فضاءات مكانية أخرى تستمد أهميتها من مساهمتها في دينامية الأحداث، و يمكن أن نذكر من هذه الفضاءات ما يأتي:
·فيلا رؤوف علوان و ما تكشفه من صور الخيانة و الانتهازية.
· المقبرة و ما تحيل عليه من وحدة قاتلة و عزلة و اغتراب.

الجانب اللغوي و الأسلوبي في رواية اللص و الكلاب لنجيب محفوظ


*مستويات اللغة :
ـ لغة التمرد والغضب: وهي لغة "سعيد مهران" وهي تعكس الغربة التي يعاني منها في الواقع الاجتماعي الذي ماتت فيه القيم الإيجابية، وطغى فيه الظلم والفساد الاجتماعي.
ـ لغة تبريرية: وهي لغة الشخصيات التي تخلت عن مواقفها السابقة، لتعيش واقعها الجديد. وهي لغة "رؤوف علوان" ونصح بها صديقه "سعيد مهران" عندما زاره بعد خروجه من السجن. وتتعرض هذه اللغة للسخرية داخل الرواية، سواء من خلال ملفوظات "سعيد" أو "نور" أو "طرزان".
ـ لغة الوحدة والمعاناة: وهي لغة "نور" التي لا تتمنى سوى الشعور بالاطمئنان والهناء في هذا العالم الذي يشعرها بالضياع.
ـ لغة التصوف: وهي لغة "الشيخ علي الجنيدي" لا تستطيع هذه اللغة أن تتخذ موقفا ظاهرا من الظلم الذي يتعرض له سعيد مهران والشخصيات الفقيرة البئيسة التي تؤمن بقضيته.
*الأسلوب ورهانات النص:
إن الكتابة عن الغربة والضياع والوحدة التي يشعر بها الفرد في المجتمعات العربية عامة والمجتمع المصري خاصة، تتعدى عند نجيب محفوظ حدود الارتباط بالشخصية الروائية، والإيهام بالواقعية من خلال تشخيص ما يعترض مسيرة البطل من ضروب الانكسارات، فهي تساؤل وبحث مضن عن الاستراتيجيات الفنية الكفيلة بخدمة المضمون وتحديد ملامحه.لقد استثمر نجيب محفوظ في هذه الرواية اللغة وأساليب السرد بطريقة مبتكرة جعلت النقاد يعتبرونها لحظة انعطاف في تجربته الروائية، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار ابتعاد الكاتب عن الرؤية الواحدة والشمولية، ليفسح المجال أمام السارد والشخصية ليتبادلا معا الأدوار، ويضيئا الموضوع من كل جوانبه المختلفة. من هنا لا ينفصل الأسلوب عن الوسائل الأخرى التي وظفها الكاتب في هذه الرواية، بل ينخرط في إظهار الرؤية التي يقصد الروائي التعبير عنها، وهي إبراز التحولات الاجتماعية والسياسية وانعكاساتها على الفرد في المجتمعات العربية، وما نجم عنها من غربة وفساد.

مهارة كتابة موضوع إنشائي متكامل حول نص شعري " قصيدة أثريت مجدا " لمحمود سامي البارودي نموذجا -

كتابة موضوع إنشائي متكامل حول نص شعري " قصيدة أثريت مجدا " نموذجا -
-الفئة المستهدفة : الثانية باكالوريا آداب و علوم إنسانية

 - إعداد أستاذ مادة اللغة العربية : عزيز سشا

                                                   
يمثل عصر النهضة العربية نقطة تحول في مسار القصيدة العربية، انطلاقا من طور الصنعة والبديع إلى طور البعث و الإحياء، حيث اشتدت الرغبة في العودة إلى الأصول التراثية باعتبارها نماذج تحتذى و منطلقا أساسيا للإنعتاق من قيود الركود و الانحطاط . و يعد محمود سامي البارودي أحد الرواد الأوائل الذين كان لهم الفضل الكبير في إحياء الشعر العربي ، و قد تبوأ هذه المكانة الرفيعة نظرا لمجموعة من السمات الفنية و الإبداعية التي اجتمعت في شعره ، و نظرا لعوامل أخرى ارتبطت بنشأته في بيئة محافظة و اتصلت بشغفه الشديد بالشعر الذي تغنى فيه بفروسيته و شجاعته و خصاله، و ضمنه عواطفه الوطنية الصادقة، و لواعج حرقته في منفاه البعيد بجزيرة " سرنديب " و أشواقه الحارة إلى وطنه و أهله...فإلى أي حد كان هذا الشاعر ممثلا للتراث الشعري القديم ؟ و ما الخصائص التي التزم بها و سعى إلى بعثها و إحيائها ؟ و ما حدود تقيده بعمود الشعر العربي ؟
إن المتأمل في هذه القصيدة يدرك منذ الوهلة الأولى أن شكلها لا يتباين في شيء عن القصيدة العربية القديمة، إذ هي من الشعر العمودي الذي يتأسس على نظام الشطرين المتناظرين " صدر و عجز " و وحدة الوزن و القافية و الروي، كما أن قراءة البيتين الأول و الأخير تفضي بنا إلى افتراض مفاده أن الشاعر قد تجاوز المقدمة الاستهلالية " الغزلية أو الطللية " نظرا لهول الفاجعة و قوة المصاب الذي ألم به ، من هنا نجده في البيت الأول يفجر لحظة الألم و المعاناة ، بينما يجعلنا في البيت الأخير أمام قوة الأمل و انفراج الأزمة و تجاوز المحنة .
و لكي نتأكد من ذلك يتوجب علينا تقسيم النص إلى وحداته الأساسية كما يلي :
-الوحدة الأولى : و تضم البيتين الأول و الثاني، و ضمنها يبكي الشاعر و هو يكابد آلام الشوق و لفحات الحنين التي تعتمل في باطنه.
-الوحدة الثانية : و تضم الأبيات " 3 – 4 – 5 " ، و فيها يلتمس الشاعر من عذاله عدم لومه و عتابه لأن الحب قد خرج على نطاق سيطرته إلى حد عجز معه التحكم في مشاعره.
-الوحدة الثالثة : و تتحدد من البيت 6 إلى البيت 10 ، و ضمنها يركز الشاعر على إمعان الدهر في تأجيج لواعج الشوق و الغرام الشيء الذي ضاعف من معاناته و ألمه.
-الوحدة الرابعة : و تتأطر ما بين البيت 11 و البيت 14 ، و فيها يضعنا الشاعر أمام تأجج نار شوقه و لوعة حنينه للأحبة و الأهل و الوطن بفعل قسوة البعاد و الغربة و الوحدة.
-الوحدة الخامسة : و تضم الأبيات المتبقية " ب 15 ، ب 16...ب 20 " و فيها يعود الشاعر إلى الافتخار بمناقبه و خلاله و الاعتزاز بكبريائه الصامد في وجه صروف الدهر و محنة الغربة و العشق ، فهو قوي الإرادة ، شديد العزيمة لم تزده الآلام إلا تشبثا بالقيم و الخصال النبيلة.
و لا ريب أننا من خلال هذا الفهم المختزل لمضامين القصيدة ندرك مظاهر تأثر الشاعر بالقصيدة القديمة على مستوى الغرض ، و يتجلى هذا التأثر و الانصهار في تعدد الأغراض التي تتأرجح بين الشكوى و الاستعطاف و المكابدة ثم الفخر.
و قد استعان البارودي في التعبير عن هذه الأفكار بمعجم شعري تتميز ألفاظه بالقوة و الجزالة و المتانة و الفخامة ، محتذيا في ذلك بالمعجم الشعري القديم كما أن هذه الألفاظ تتوزع بين حقلين دلاليين هما :
أ – حقل المعاناة : دمع – مكابدة – العذل – النوب ...
ب – حقل الصبر و التفاؤل : أثريت مجدا – لم أعبأ – نفسا عالية – ملكت حلمي – سوف تصفو الليالي ....
و العلاقة بين هذين الحقلين الدلاليين تكمن في تأرجح الذات الشاعرة بين مشاعر الضعف التي يعكسها الحقل الأول و مظاهر القوة التي يمثلها الحقل الثاني ، ذلك أنه رغم شدة وطأة لحظات الضعف و الانهيار فالشاعر ظل قويا صلبا متطلعا إلى الأفق المنشود مما يعكس إرادته القوية في مواجهة المحن ، و لعل هذه الإرادة و ذلك الشموخ النفسي هو ما جعل القصيدة تزخر بالطابع الحكمي الوعظي ، حيث نلفي مجموعة من الحكم في الأبيات التالية : البيت 1 – البيت 4 – البيت 16 – البيت 20 ( انظر محتوى الحكم في دفتر الدروس ) .
و إذا انتقلنا إلى دراسة الصورة الشعرية في هذه القصيدة سنجدها صورة تقليدية تترسم طريقة الشعراء القدامى في التصوير ، و ذلك من خلال قيامها على أساس مبدأ التجسيد و التشخيص أي تجسيد و تشخيص العناصر المجردة من قبيل : الشوق و الغربة و الدهر...بفضل استثمار الاستعارات و التشبيه ، كما نجد ذلك بوضوح في البيت التاسع حيث يشبه الشاعر قلبه بطائر سجين يخفق بجناحيه ( فالعلاقة الجامعة بينهما هي السجن و الاضطراب ) ، و يورد أيضا ضمن هذا البيت استعارة مكنية " هاج الغرام " لتبيان شدة العشق و الحنين.
و سواء في هذين المثالين أو في الأمثلة الأخرى التي يعج بها هذا النص الشعري فإن الشاعر يعتمد على الصورة البيانية المادية الوصفية البسيطة التي يستقي مادتها من الواقع المحسوس على غرار القدماء.
و بانتقالنا في الأخير إلى دراسة الإيقاع الشعري ، سنجده يتجسد في مظهرين أساسيين هما :
1 – الإيقاع الخارجي : و هو ما نلمسه في البحر الشعري الذي نظم عليه الشاعر قصيدته و هو بحر " البسيط " الذي يمتاز بتعدد تفعيلاته و طول نفسه ، و هذا يتناسب مع موضوع القصيدة سواء في المقدمة الاستهلالية  " الشكوى " أو في الاستعطاف و المكابدة و الفخر. و بالإضافة إلى الوزن الشعري يتعزز الإيقاع الخارجي بالقافية و وحدة الروي " الباء " فضلا عن ظاهرة " التصريع " ( تصريع المطلع ).
2 – الإيقاع الداخلي : و يتحقق من خلال طبيعة الأصوات و أشكال التكرار و التوازي ، و فيما يلي رصد لهاتين الظاهرتين :
أ – ظاهرة التكرار : * على مستوى الصوت الواحد ( تكرار صوت الميم و القاف و الشين و الجيم...) - * على مستوى اللفظة الواحدة ( تكرار كلمات : دمع- قلب – الحب – عهد – النفس – كيف...) .
ب – ظاهرة التوازي : * التوازي الصوتي التركيبي الجزئي و الدلالي بصيغة الترادف ( البيت 1 و البيت 10 ) - * التوازي الدلالي بصيغة التضاد ( البيت 20 ) - * التوازي التركيبي بصيغتي الترادف و التضاد ( البيت 14 ) .
و الجدير بالذكر أن التكرار و التوازي لا ينحصران في كونهما ظاهرة إيقاعية فحسب و إنما يؤديان مجموعة من الوظائف التي تخدم النص الشعري و في مقدمتها الوظيفة الجمالية التي تتحقق من خلال إثراء الجانب الموسيقي للنص ، و تترتب على هذه الوظيفة وظيفة أخرى هي الوظيفة التأثيرية ، ذلك أن الشعور بالجمال من شأنه أن يؤثر في نفسية المتلقي فيجعله ينفعل بالشعر و يتفاعل مع الشاعر.
و بناءا على ما سبق، نخلص إلى أن القصيدة قيد الدرس قد تمثلت أيما تمثل لخصائص و مقومات الاتجاه الإحيائي و ذلك من خلال المستويات التالية :
*على مستوى البناء : الالتزام بنظام الشطرين ، غياب الوحدة العضوية ،  الحفاظ على الشكل الهندسي التقليدي.
*على مستوى الغرض : تعدد الأغراض من خلال مقدمة استهلالية (الشكوى ) ، و مكابدة الأشواق و الغربة ، ثم الفخر.
*على مستوى المعجم : معجم تقليدي بامتياز " مكابدة ، لواعج ، منقضب ، حدب..."
على مستوى الصورة الشعرية : تشخيص المجردات ( الشوق ، الدهر ، الغربة...) بفضل الاستعارات و التشبيه.
*على مستوى الإيقاع : الالتزام بالإيقاع الخليلي ( وحدة الوزن و القافية و الروي ).
أما على مستوى وظيفة الشعر فإنها وظيفة تتوخى الإفادة أكثر من الإمتاع و ذلك من خلال جنوح الشاعر في كثير من الأبيات إلى الحكمة و الموعظة و الإرشاد ( تأثره بالنزعة الإصلاحية ).
و لعل قدرة الشاعر على احتذاء الشعر القديم جعلته يتسنم كرسي الريادة الشعرية في المدرسة الإحيائية ، و هي المدرسة التي من أبرز سماتها و مميزاتها  الصياغة المتقنة و مجاراة الشعراء القدماء و محاكاتهم شكلا و مضمونا.  

نموذج تحليل قولة من المؤلف النقدي" ظاهرة الشعر الحديث " لأحمد المجاطي

أ- النموذج المقترح :
 جاء في المؤلف النقدي " ظاهرة الشعر الحديث" على لسان المجاطي ما يلي " التقى هؤلاء الشعراء عند فكرة واحدة هي أن الشعر وجدان غير أن مفهوم الوجدان عندهم كان متباينا فقد أراده العقاد مزاجا من الشعور والفكر... حتى قيل بأن العقاد مفكر قبل أن يكون شاعرا، أما شكري فقد فهم الوجدان على أنه التأمل في أعماق الذات لأن المعاني عنده جزء من النفس لا يدرك بالعقل وإنما يدرك بعين الباطن أي بالقلب" أكتب موضوعا إنشائيا تحلل فيه القولة، موضحا الفرق بين تجربة العقاد وشكري،و مستحضرا رأي المجاطي في الوجدان الذي تغنى به شعراء الديوان. 

ب- طريقة التحليل : 
  يعتبر مؤلف ظاهرة الشعر الحديث من المؤلفات النقدية التي واكبت تطور الشعر العربي عبر مختلف عصوره (العصر العباسي,مدرسة الديوان,مدرسة ابولو ,مدرسة الرايطة القلمية).ويعتبر احمد المعداوي من بين المؤلفين المغاربة الذين واكبوا تطورات الشعر العربي الحديث وبالاعتماد على عدة كتب مهمة توفق احمد المعداوي في الفصل بين قضية الشعر التقليدي والشعر الحديث وبذلك تمكن المعداوي من البصم عن أهمية مؤلفه في فترة كان التاليف فيها مطبوعا بالقلة.وانطلاقا من القولة يمكننا استخلاص بعض الاسئلة التي سنؤجل الاجابة عنها في العرض فما هو مفهوم الوجدان عند كل من شعراء جماعة الديوان? وماهي نقاط الاختلاف عندهم حول هذا المفهوم?وما هو موقف احمد المعداوي من تجربة كل من العقاد وشكري حول مفهوم الوجدان?
 تنتمي القولة التي بين ايدينا الى القسم الاول من الفصل الاول وينطلق فيه الكاتب من دراسة تحليلية لكل من التيار الاحيائي لينتقل بعده الى ذكر خصائص ومميزات التيار الذاتي او الرومانسي والذي تتميز به كل مدرسة على الاخرى.يبدا الحديث عن التيار الاحيائي وهو خطاب ادبي ظهر في اواخر القرن التاسع عشر للنهوظ بالقصيدة العربية التقليدية من عصور الانحطاط والجمود والتخلف ثم الدخول بها في مرحلة جديدة قامت على بعث القصيدة العربية ولعل من اهم الاسباب التي ادت الى انحطاط القصيدة العربية التقليد الضعيف للقدامى ثم استخدام اللغة الوسطى .ومن بين الاسس التي دعت اليها هذه الحركة باعتبارها حركة ادبية: -المحافظة على الموروث الثقافي القديم -المحافظة على ثوابت القصيدة العربية التقليدية من حيث اللغة البناء وحدة الروي والوزن والقافية الايقاع الخليلي الموضوعات والاغراض -مسايرة مستجدات العصر من حيث القصايا الوطنية والاجتماعية والسياسية... ومن اهم رواد هذا التيار الادبي نذكر محمود سامي البارودي مؤسس مدرسة البعث والاحياء بالاضافة الى احمد شوقي والذي يرجع له الفضل في احياء القصيدة العربية من خلال معارضته ومحاكاته لكبار الشعراء القدامى ويظهر ذلك جليا في معضم قصائده. لينتقل بعد ذلك احمد المعداوي في دراسة للتيار الرومانسي وهو خطاب ادبي جديد ظهر رغبة لبعض الشعراء في تجاوز عصور الانحطاط التي رسختها مدرسة الاحياء.وهو خطاب جعل من الذات بؤرة الابداع الفني ومن بين الاسباب التي ادت الى ضهوره التاثر بالثقافة الغربية ثم الارتماء في احضان الطبيعة باعتبارها ملاذا لتفجير هموم الذات الشاعرة .وقد مثل هذه الحركة مجموعة من الشعراء تفرقوا في ثلات مدارس ادبية: -مدرسة الديوان:نمثلها ب العقاد/شكري/المازني -جماعة المهجر او الرابطة القلمية:جبران خليل جبران/ميخائيل نعيمة/ايليا ابو ماضي -جماعة ابولو:ابي شادي/ ابراهيم ناجي/علي محمود طه ومن اهم الاسس التي يدعوا لها هذا الخطاب: -اعتبار الذات مصدرا للابداع الشعري -التاثر بالثقافات الغربية للتفتح على مختلف الحضارات لقد اختلفت كل مدرسة من حيث رؤيتها للشعر كمفهوم مركزي فمنهم من رءى الشعر انه وجدان مع اختلاف فيه ونخص بالذكر مدرسة الديوان حيث يرى العقاد ان الوجدان هو مزيج من الشعر وهو ماجعله يميل في شعره الى التفكير ويظهر ذلك من خلال قصيدته الحبيب التي يغلب عليها الطابع الفكري على الاحاسيس. وقد اعتبره شكري تاملا في اعماق الذات الى حد تجاوز حدود الواقع وهو ماحفزه على تجنب العقل المحض وتامل مايجول في اغوار ذاته الكسيرة والبحث عن بواعث شقائه والمه. وهو في نظر المازني ماتفيض به النفس من احاسيس وعواطف وهذا ماجعله يعبر عن انفعالاته بشكل عفوي و بضورة طبيعية اي دون تدخل العقل او توغل في اعماق النفس. وعندما نتجه الى جماعة الرابطة القلمية فقد وسعت مفهوم الوجدان ليشمل كل ماينبثق عن الذات من حياة وكون وعلى هذا النحو اعتبروا الوجدان بأنه نفس وحياة وكون. اما جماعة ابولو فقد تغنوا بالام الذات ومفاتن الطبيعة ومباهجها وهو ما جعل الحياة عندهم تتراوح بين السعادة المطلقة والشقاء المطلق. لكن سرعان ما عجل في وضع نهاية محزنة لهذا التيار الذاتي لان شعراءه اغرقوا في البكاء واجترار نفس المواضيع(كالحب الاستسلام للموت الألم اليأس...) وهذا على مستوى المضمون اما على مستوى الشكل فقد فشل شعراء هذا التيار في وضع مقومات فنية تلائم القصيدة العربية فكان مصيرها الفشل.
ومن هنا يظهر ان مؤلف ظاهرة الشعر الحديث تمكن من الفصل في قضية الشعر الحديث وذلك من خلال دراسة مختلف الجوانب سواء اللغوية والفنية والتاريخية وايضا العوامل التي ساهمت في الدخول بهذا الشعر مرحلة التطور والتجديد من خلال نكبة فلسطين 1948 التي ساهمت في بروز الوعي العربي مما جعل الشاعر يخرج من قوقعته المغلقة وينفتح على العالم وايضا وعيه بمسؤوليته كما ادت النكسة 1976 الى انفتاح الشاعر على ثقافات وحظارات اخرى واعتمد في قصائده على اساطير ورموز كان الهدف منها التعبير عن تجربة الشاعر دون قيود او شروط مسبقة.

مهارة كتابة موضوع إنشائي متكامل حول نص نقدي : "الواقع الاجتماعي في الشعر" نموذجا

 يعد المنهج الاجتماعي أحد أهم المناهج النقدية الحديثة التي تأثر بها النقاد العرب المحدثون، وهو منهج ينظر إلى النص الأدبي باعتباره وثيقة اجتماعية، ويربطه بالوسط الاجتماعي الذي أنتج فيه. وقد اعتمد هذا المنهج في دراسة الظاهرة الأدبية، وبيان علاقتها بسياقها الاجتماعي، عدد من النقاد المشارقة والمغاربة، نذكر منهم: "طه حسين"، و"محمد مندور"، و"نجيب العوفي"، إلى جانب "محمد عويس محمد" الذي وظف هذا المنهج في كثير من دراساته النقدية ، ولعب دورا مهما في تطويره، وإبراز علاقة الأدب بالمجتمع، وخير شاهد على ذلك النص الذي بين أيدينا. فما القضية النقدية التي يطرحها ؟ وكيف طبق الناقد المنهج الاجتماعي على شعر الشاعرين: أحمد شوقي وحافظ إبراهيم ؟ وما  النتائج التي انتهى إليها ؟و إلى أي حد ظل وفيا لآليات المنهج الذي يتبناه ؟ أسئلة و أخرى سنحاول الإجابة عنها من خلال هذه القراءة المنهجية المتكاملة .
يتضح بعد قراءتنا لبعض المؤشرات النصية " بداية النص + نهايته " و الخارج نصية " العنوان + المصدر ".أن النص ربما يعالج  موضوعا يتمثل في بيان علاقة شعر الشاعرين "حافظ إبراهيم" و"أحمد شوقي" بالواقع الاجتماعي المصري في مطلع القرن العشرين، والكشف عن هذا الواقع. ويمكن  فحص صحة هذا الموضوع من خلال مجموعة من الموضوعات المتضمنة في النص و الأفكار الجزئية المترابطة فيما بينها، وهي كما يأتي :
·    * تأكيد الكاتب وجود علاقة تفاعل نسبي بين الشاعر والواقع الاجتماعي الذي ينتمي إليه.
·    * إبرازه الفرق بين رؤية "حافظ" ورؤية "شوقي" لمصر ولواقعها الاجتماعي.
·    * ذكره أسباب اختلاف رؤيتي الشاعرين للإصلاح.
·    * الإشارة إلى اتفاق الشاعرين في الشكل العام والهدف، واختلافهما في المضمون .    
ويتضح مما سبق أن الناقد حلل شعر الشاعرين "حافظ" و"شوقي" باعتماد المنهج الاجتماعي، حيث كشف عن البعد الاجتماعي لشعر هذين الشاعرين، وأبرز علاقته بالواقع المصري الذي أنتج فيه، وبين رؤية كل واحد منهما لمصر ولواقعها الاجتماعي، وذلك من خلال شعرهما.
كما اعتمد في بناء نصه طريقة استنباطية (الانتقال من العام إلى الخاص) جعلته خاضعا لتصميم منهجي محكم، حيث استهل نصه بإبراز العلاقة التي تربط الشاعر عامة بالواقع الذي ينتمي إليه. ثم انتقل بعد ذلك إلى الحديث عن علاقة شعر الشاعرين المصريين حافظ وشوقي خاصة بالواقع الاجتماعي لمصر خلال مطلع القرن العشرين. وختم نصه بالإشارة إلى اتفاق الشاعرين في الشكل العام والهدف رغم اختلافهما في المضمون. 
واستخدم الكاتب لغة نقدية تقريرية مباشرة واضحة، تلائم طبيعة النص النقدية، وتخدم غرض الناقد المتمثل في إيصال أفكاره إلى المتلقي وإقناعه بها. كما وظف مجموعة من المصطلحات والمفاهيم النقدية التي تحيل إلى المنهج الاجتماعي المطبق في النص، كالواقع الاجتماعي، والإصلاح، والظواهر الاجتماعية، والشعب.
كما استعان الناقد بعدد من أساليب الحجاج ووسائل الإقناع، مثل الشرح والتفسير (إبراز رؤية حافظ وشوقي لمصر ولواقعها الاجتماعي)، والمقارنة (بين الشاعرين حافظ وشوقي)، والاستشهاد (بشعر حافظ وشوقي)، والتمثيل (بحافظ وشوقي)، والتعليل (لأن هدفهما كان واحدا...)، والإثبات والنفي (كان تركيزه على كشف...وهو لم يغفل...)، والاستدراك (لكنه)، والتأكيد (بأن رؤية – لقد طالب...). 
ووظف مجموعة من الوسائل التي حققت للنص اتساقه وتماسكه، وأكسبته قوة تأثيرية وإقناعية، كحروف العطف (الواو، الفاء، أو...)، والأسماء الموصولة (اللائي، التي، اللواتي...)، وحرفيْ التعليل والاستدراك (لأن، لكن...)، وأسماء الإشارة (هذا، هذه، هنا...)، والضمائر (هو، هي، هن...)، والتكرار (الواقع الاجتماعي، المجتمع، مصر...)، والتقابل (التأثير # التأثر – الثبات # الحركة – اتفقا # اختلفا).
وليس هذا النص متسقا فحسب، بل هو منسجم كذلك، وإذا كان اتساقه تحقق بالأدوات الظاهرة المذكورة، فإن انسجامه تحقق بروابط أخرى غير ظاهرة، جعلته قابلا للفهم والتأويل، مثل سياق النص الذي يتمثل في النقد العربي الحديث المنفتح على المناهج النقدية الغربية الحديثة والمتأثر بمناهجه، خاصة المنهج الاجتماعي. وإلى جانب السياق نجد في النص مجموعة من القرائن النصية المحلية التي يؤول بعضها بعضا، والتي تحقق للنص انسجاما خفيا، وفي مقدمة هذه القرائن المصطلحات الموظفة في النص (الواقع الاجتماعي، المجتمع، الشعر...). أما مبدأ التغريض الذي يتحدد بكونه النقطة المحورية التي يدور حولها النص، والتي تعين غرضه، فتتمثل هنا في عنوان النص: "الواقع الاجتماعي في الشعر"، حيث إن غرض الناقد، انطلاقا من هذا العنوان، هو الكشف عن الواقع الاجتماعي في الشعر.    

يتضح مما سبق، أن الكاتب حاول في هذا النص  النقدي الكشف عن الواقع الاجتماعي في شعر الشاعرين حافظ وشوقي، في مطلع القرن العشرين، وذلك باعتماد المنهج الاجتماعي، واستخدام لغة تقريرية نقدية، وتوظيف أسلوب حجاجي، والاستعانة بمجموعة من الروابط الظاهرة والخفية التي حققت للنص اتساقه وانسجامه.
غير أن المنهج الاجتماعي وإن كان قد مكن الكاتب من الكشف عن الواقع الاجتماعي في شعر حافظ وشوقي، إلا أنه يظل عاجزا عن الإحاطة بالعمل الأدبي من كل جوانبه، لأنه يهتم بجانب واحد من جوانبه، هو جانب المضمون، ولا يلتفت إلى بنية النص الداخلية، وإلى جوانبه الفنية والجمالية التي يعتبرها جوانب ثانوية. و لعل هذا ما نلفيه حاضرا في المنهج النقدي البنيوي الذي يدرس الظاهرة الأدبية من داخلها على أساس أنها نظام متكامل قائم بذاته لا يمكن فهمه إلا في إطار مستوياته البنيوية الداخلية .

استخلاص البنية في رواية اللص و الكلاب

يسعى هذا المنظور إلى دراسة نظام النص العام، و البحث عن وحداته، و المبادئ التي تنتظم بواسطتها هذه الوحدات. ذلك أن النص يتأسس على مجموعة من العلاقات الدلالية و التركيبية التي تمنحه صورة معينة. و تنجم بنية النص عن تأليف مجموعة من صيغ التنظيم التي يمكن الكشف عنها عبر محاور من مثل:

  * بنية التأليف: يتتبع نجيب محفوظ في رواية ( اللص و الكلاب ) شخصية محورية تتمثل في شخصية "سعيد مهران" ، و يبتدئ هذا التتبع بلحظة خروج سعيد من السجن، لينتهي بلحظة استسلامه لرجال الشرطة بلا مبالاة، و بين لحظتي البداية و النهاية تشكلت الرواية من ثمانية عشر فصلا. إن ما يجمع بين فصول هذه الرواية ليس هو وحدة الشخصية المحورية فيها فحسب، بل أيضا تركيبة التقنيات الروائية المعتمدة فيها من : استباق و استرجاع و حذف و خلاصة ... مما أتاح للروائي التركيز على حبكة البطل، و كذلك استدعاء ما يسلط الضوء عليها، و يساعد المتلقي على تلقيها في شروط إيجابية. و هذا التعدد في توظيف التقنيات هو الذي يتيح للقارئ قراءة الرواية من وجهات متعددة و مختلفة: إذ يمكن قراءتها باعتبارها "رواية الشخصية"، كما يمكن قراءتها على أنها " رواية اجتماعية"، أو رواية استبطانية تستكنه الشفافية الداخلية... إلا أنها، في جميع الأحوال، رواية تعبر عن احتجاج الفئات الفقيرة داخل المجتمع المصري على مظاهر الفساد الاجتماعي من زيف اجتماعي و تنكر للمبادئ و الاستغلال و الانتهازية ...
   * التنظيم الزمني: تترك رواية "اللص و الكلاب" في المتلقي انطباعا بكونها رواية اجتماعية تقدم نموذجا لمعاناة الفئات الفقيرة في المجتمع المصري، لكنك عندما تغوص في عبقرية نجيب محفوظ، و قدرته على التلاعب بالزمن، تقف على إبداعه في تحويل الزمن إلى أداة تشخص بقوة أسئلة الفرد في هذا الزمن القاهر الذي لا ينسجم معه. من هنا فإن الزمن الطبيعي لا يبدو كثير الأهمية في الرواية إذا ما قيس بالزمن النفسي الذي ركزت عليه الرواية و جعلته نافذة تطل من خلالها دقائق الأمور و جزئياتها. لقد تميز الروائي في هذا الجانب المتعلق بالزمن النفسي/ الشخصي، إذ يسكت عن السنوات الطويلة في عالم الواقع، و يقف عند التمفصلات الزمنية في حياة الشخصية ، حيث نكتشف أن الزمن النفسي مرتبط بالشخصية، لا بالزمن، إذ الذات تتخذ مكان الصدارة، و يفقد الزمن معناه الموضوعي ليصبح منسوجا في خيوط الحياة النفسية. و يتجلى هذا الزمن في رواية "اللص و الكلاب" في الأزمة التي يعيشها سعيد مهران و ما تسببه في نفسه من إحباط و خيبة و عزلة...، فبمجرد ما تخطى أزمة السجن، حتى وجد نفسه داخل دوامة أزمة جديدة هي أزمة الخيانة المركبة التي عاشها مع كل من (نبوية و عليش و رؤوف)، مما جعل العالم يبدو في عينيه متأزما، متدهورا، أجوف لا روح فيه، ذلك أن جميع القيم التي آمن بها و ضحى لأجلها قد لابسها التحول في ممارسات الخونة، فاقلبت نبوية من محبة إلى خائنة، وعليش من تابع إلى واش، و رؤوف من معلم لقيم الاشتراكية إلى انتهازي و ليبرالي فاسد.
  *  التنظيم المكاني: لا يعتمد نجيب محفوظ المكان، في روايته هاته، إطارا تزيينيا أو تكميليا، يؤثت به فضاء الرواية، بل يعتمده مكونا أساسيا يبوح بما يفكر فيه الروائي، و يتيح إمكانية الكشف عما تعانيه الشخصية من صنوف الوحدة و الاغتراب و المعاناة. و يمكن كشف هذا التنظيم في الرواية من خلال الفضاءات التالية:
        السجن: المكان الذي تنفتح عليه الرواية، قضى فيه سعيد مهران أربع سنوات فقد خلالها حريته و عانى العزلة و الحصار و مرارة اكتشاف الخيانة. هو فضاء العقاب بدل أن يكون فضاء الإصلاح.
        بيت الجنيدي: مكان إقامة الشيخ علي الجنيدي الزاهد المتصوف، صديق والد سعيد، يحمل هذا الفضاء لرواده إحساسا بالسكينة و الطمأنينة، هو مأوى لا ينغلق أبدا، يلوذ به سعيد حين تشتد الأزمات عليه، غير أنه لا يشعر فيه بالراحة طالما لم يحقق انتقامه، ذلك أن مذهبه مختلف عن مذهب الشيخ.
        عطفة الصيرفي: فضاء يحيل سعيد على مفارقة شعورية، إذ فيه جزء من ذكرياته مع نبوية، أيام الحب و الوفاء، كما فيه ذكرى الاعتقال متلبسا بسرقة قضى إثرها عقوبة سجنية دامت أربع سنوات. لذلك تختلط اتجاهه مشاعر الرضى و مشاعر الامتعاض.
        شقة نور: فضاء كان يحقق لسعيد جزءاً من توازنه النفسي في مرحلة تخلى عنه الجميع و آوته نور في بيت متواضع، يطل على المقابر. فرغم أنه كان يحس بالضيق و التبرم من عدم قدرته على التصرف بحرية مخافة إثارة انتباه الجيران إلا أنه كان يجد في المكان قدرا من إنسانية مفقودة خارجه.
        مقهى طرزان: مكان التقائه بنور ماضيا و حاضرا، إضافة إلى كونه يمكنه من تلقي المعلومات عن أعدائه، و الأهم أنه في هذا المكان حصل على المسدس الذي يمكنه بواسطته الانتقام من الذين خانوه.

و تحضر في الرواية فضاءات مكانية أخرى تستمد أهميتها من مساهمتها في دينامية الأحداث، و يمكن أن نذكر من هذه الفضاءات ما يأتي:
·فيلا رؤوف علوان و ما تكشفه من صور الخيانة و الانتهازية.
· المقبرة و ما تحيل عليه من وحدة قاتلة و عزلة و اغتراب.

المشاركات الشائعة

مشاركة مميزة

البعد الاجتماعي والنفسي في رواية اللص و الكلاب

  البعد الاجتماعي  والنفسي   في رواية اللص و الكلاب البعد النفسي في رواية اللص والكلاب يحضر البعد النفسي في المؤلف بشكل كبير حيث نجد تداخل...

المشاركات الشائعة

المشاركات الشائعة