" وصية إلى : نفس زكية .. و روح نقية .. و عقل راجح ذكي .. و فؤاد مؤمن صفي.."

"أي بني :

اثبت على دأبك الصالح.. و اسبح في فيوضات فكرك الفاسح.. و انسج خيوط يومك الفالح .. هم في أعماق الفكرة.. و لا تجثو بين أحداق النبرة.. قيض لنفسك الهمم.. و انفض غبار الغشاوة و الحمم.. لا تسق عيناك مساق الفتن.. فتذق طعم الصبابة و المحن.. إنه وبيص حالك.. فاحذر و إلا امسيت هالك..

لا تنس وعدك المشهود.. و لا تنكث ميثاقك المعهود.. اثبت إذن على دأبك الصالح.. و اقتحم هوة كل طالح.. لا تمش بين الفلوات المقفرة.. بل الزم المسالك المقمرة.. اركب سفينة التقوى.. و ادرأ عن نفسك البلوى.. لا تزح ثوب النجاة عن قدك.. كن كأسلافك و سيرة جدك.. لا تكن أنت في ردك و صدك.. بل كن أنت مرآة لقلبك و حبك.. كن كما عهدت فيك رجلا جلدا صابرا.. و جلمودا مكافحا و مثابرا.. لا تأبهن بالدواهي و النوائب و الرزايا.. و لا تغرينك ذوات البهاء و العطايا.. كن للمثبطات متجاوزا.. و للعثرات قافزا.. و للمثالب مرمما.. و لغدك مصمما.. إياك أن تنتكص.. و احذر لنفسك أن تبتئس.. و لعقلك ان يبور.. و لقلبك أن يجور.. لا تخيب أملي و شموس غدي في يومك الذهبي.. كن ذاك الصنديد الأبي.. فأنت المستقبل و أنت الركن و أنت نشوة الحياة.. و أنت أريحية الروح السمحاء.. أنت صفاء السريرة.. و عبق الوجود.. لا تغفل تذكر أنك مجدود.. أخلص علمك و عملك لربك المعبود..

أي بني :

كبدي..فؤادي..نور مقلتي..لا تبلس بالقدر..فنعم الحال حالك..و بئست الحياة غير حياتك..احمدن ربك..و عد أهلك..و ارحم بالله من هلك قبلك..لا تغفو عيناك عن ربك تريد زهرة الحياة الدنيا و زينتها..بحبوحتها و بهجتها.. اسأل من ربك العفاف.. و ادعه الكفاف.. اسأله من دنياه عملا صالحا.. و صاحبة زهية سنية صالحة.. و اسأله من أخراه رضوانا و جنة و نعيما و خلدا عظيما..لا تتلهى نفسك عن أمورك و واجباتك..كن لوقتك ضابطا.. و لواجبك منظما.. و لنفسك مزكيا.. و لعصرك متقصيا.. لا تخبطن خبط عشواء.. و لا تخوضن معركة شعواء.. كن بين الحزبين مقتصدا.. و لا تكن مفرطا أو مكتسدا.. أنر طريقك بمشكاة عقلك.. و أخمد توهج نفسك و بركان نفسك.. بتلاوة وحي ربك.. و لذ إلى رحابه.. و ارتكن تحت ظلال جنابه.. فإنه سبحانه واسع المغفرة.. متقبل لكل معذرة.. لا يخذل عباده الصالحين.. و لا يردهم عن بابه خائبين..

"..قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله. إن الله يغفر الذنوب جميعا. إنه هو الغفور الرحيم." صدق الله العظيم

-إلى ابني " محمد و أيوب " و إلى تلاميذي .. أهدي مقاصد هذه الوصية الروحانية الصافية.. المنبجسة من أعماق أوصال قيثارة الفؤاد .. بكل ما تحمله من معاني النصح و الإرشاد ..

- توقيع الأستاذ عزيز سشا

لفظ القرآن بين اللغة و الإصطلاح

   ** لفظ القرآن بين اللغة و الإصطلاح **

هناك العديد من الأقوال التي خاضت في تحقيق لفظ "قرآن" في اللغة ، و حيث لن يسعنا الجهد للإحاطة بها كاملة سنقتصر على بعضها دون أن نألو في حق المدلول الذي يجمعها ، و سنستهل بما أثر عن الشافعي رحمه الله تعالى، و به قال جماعة : " إنه (أي لفظ قرآن ) اسم علم غير مشتق خاص بهذا الكلام المنزل على النبي المرسل صلى الله عليه و سلم ، و هو معرف غير مهموز عنده كما حكاه عنه البيهقي و الخطيب و غيرهما [1].
و نقل عن أبي الحسن الأشعري و أقوام آخرون : أنه مشتق من قرنت الشيء بالشيء إذا ضممته إليه، و سمي به عندهم لقران السور و الآيات و الحروف فيه بعضها ببعض . و ذهب" الفراء" إلى أنه : مشتق من القرائن لأن الآيات فيه يصدق بعضها بعضا و يشبه بعضها بعضا . و هو على هذين القولين بلا همز أيضا و نونه أصلية [2].
و حكى اللحياني قولا : أنه مصدر لقراءات كالرجحان و الغفران ، سمي به الكتاب المقروء من باب تسمية المفعول بالمصدر " . و جاء أيضا في "لسان العرب" لابن منظور /الجزء الأول : " و فيه قول آخر لم تقرأ جنينا أي لم تلقه ، و معنى قرأت القرآن : لفظت به مجموعا أي ألقيته " [3] .
و نلفي صاحب " مناهل العرفان " و قد اصطفى رأي اللحياني و من معه ، و هو أشهر الآراء ، إذ يقول : "...أما لفظ قرآن هو في اللغة مصدر مرادف للقراءة و منه قوله تعالى : " إن علينا جمعه و قرآنه ، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه.." [ سورة القيامة،الآية:18 ] ، ثم نقل من هذا المعنى المصدري و جعل اسما للكلام المعجز المنزل على النبي صلى الله عليه و سلم ، من باب إطلاق المصدر على مفعوله و هو المختار استنادا إلى موارد اللغة و قوانين الاشتقاق ، و إليه ذهب "اللحياني " و جماعة .
أما القول بأنه وصف من القرء بمعنى الجمع ، أو أنه مشتق من القرائن ، أو أنه مشتق من قرنت الشيء بالشيء ، أو أنه مرتجل أي : أنه موضوع من أول الأمر علما على الكلام المعجز المنزل ، غير مهموز ، و لا مجرد من "أل" فكل أولئك لا يظهر له وجه وجيه ، و لا يخلو توجيه بعضه من كلفه ، و لا من بعد عن قواعد الاشتقاق و موارد اللغة " [4] .
و هكذا فإن كلام صاحب " العرفان " يقتضي أن لفظ "القرآن" مهموز ، و إذا حذف همزه فإنما ذلك للتخفيف ، و إذا دخلته " أل " بعد التسمية فإنما هي للمح الأصل لا للتعريف [5] .
- أما من الناحية الإصطلاحية فقد اختلف العلماء في جواز تعريف " لفظ القرآن " لأنهم رأوا أن التعريفات لا تكون إلا للكليات ، و قد أجاز بعضهم ذلك و هم الفقهاء ، و منهم من عرفه لتقريب معناه فحسب ، و هكذا قالوا في تعريفه : " هو كلام الله المعجز المنزل على محمد صلى الله عليه و سلم ، المكتوب في المصاحف ، المنقول بالتواتر ، المتعبد بتلاوته " .
و هذا الوجه من التعريف متفق عليه بين الأصوليين و الفقهاء و علماء العربية و يشاركهم فيه المتكلمون أيضا.[6].
فالكلام جنس شامل و عام لكل كلام ، و إضافته إلى " الله عز و جل " تجعله متميزا على كلام ما سواه من الإنس و الجن و الملائكة .
و كونه منزلا أي مخرج للكلام الإلهي الذي استأثر الله به في نفسه ، أو ألقاه إلى ملائكته ، ليعملوا به و لا لينزلوه على أحد من البشر ، إذ ليس كل كلام الله تعالى منزلا ، بل الذي أنزل منه قليل من كثير ، قال تعالى : " قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي و لو جئنا بمثله مددا.."[سورة الكهف،الآية:109]،و قال أيضا :" و لو أن ما في الأرض من شجرة أقلام و البحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله.."[سورة لقمان،الآية:27].
و قيد "المنزل" بكونه على" محمد" صلى الله عليه و سلم ، لإخراج ما أنزل على الأنبياء من قبله من توراة و إنجيل و زابور و صحف .
و كونه " منقول بالتواتر " يخرج جميع ما سوى القرآن من منسوخ التلاوة و القراءات غير المتواترة سواء كانت مشهورة مثل قراءة "ابن مسعود " أو كانت آحادية ، فإن شيئا من ذلك لا يسمى قرآنا و لا يؤخذ بحكمه ، و قيد " المتعبد بتلاوته " أي المأمور بقراءته في الصلاة و غيرها على وجه العبادة لإخراج ما لم نؤمر بتلاوته من ذلك ، كالقراءات المنقولة إلينا بطريق الآحاد ، و كالأحاديث القدسية ، و هي المسندة إلى الله عز و جل إن قلنا : إنها منزلة من عند الله بألفاظها.[7] .

____________________________________________
-المراجع المعتمدة :

1- "قضية الإعجاز القرآني و أثرها في تدوين البلاغة العربية " ، د.عبد العزيز عرفة / ص:22،م، عالم الكتب ط.1 / 1405ه-1985م .
2- " روح المعاني " للألوسي ج 1 /ص:11، تحقيق : محمد زهري النجار .
3- " لسان العرب " ، ابن منظور ، ج 1/ص:128،ط1،بيروت"دار صادر "1990م.
4- " مناهل العرفان "، محمد عبد العظيم الزرقاني،ج1/ص:14،ط3/ دار الفكر للنشر و التوزيع 1988م.
5- المرجع نفسه/ الصفحة : 14.
6- " النبأ العظيم " محمد عبد الله دراز ، ص:9/ مطبعة السعادة،1960م.
7- "النبأ العظيم " ص:9 / "مناهل العرفان " ج1،ص:16-17.
_____________________________________________

                 
                         *** توقيع : الأستاذ عزيز سشا ***

المشاركات الشائعة

مشاركة مميزة

البعد الاجتماعي والنفسي في رواية اللص و الكلاب

  البعد الاجتماعي  والنفسي   في رواية اللص و الكلاب البعد النفسي في رواية اللص والكلاب يحضر البعد النفسي في المؤلف بشكل كبير حيث نجد تداخل...

المشاركات الشائعة

المشاركات الشائعة