1- المنظور الأول: تتبع الحدث:
* أ- المتن الحكائي للرواية:
تحكي رواية اللص والكلاب حكاية مثقف بسيط يدعى" سعيد مهران"، دخل السجن وخرج منه في عيد الثورة، بعد أن قضى فيه أربع سنوات غدرا ، دون أن يجد أحدا في انتظاره، ويقرر بعدها الذهاب إلى منزل "عليش" لاسترجاع ابنته سناء وماله وكتبه، ويفشل في ذلك وتسود الدنيا في وجهه أكثر عندما أنكرته ابنته "سناء" ورفضت معانقته لأنها لا تعرفه ، وللتخفيف من حدة الانفعال وإحياءا لبعض ذكريات ماضيه مع أبيه قرر الإستقرار مؤقتا بمقام" الشيخ علي الجنيدي"،الذي قضى عنده ليلته، ولكن روحانية المكان وطقوسه الخاصة وأجوبة علي الجنيدي الغامضة والموغلة في الروحانيات، جعلت "سعيد مهران" لا يرتاح كثيرا للمكوث بهذا المكان المفعم بالمنشدين والمريدين، لذلك قرر أن يلتقي بأستاذه "رؤوف علوان" الصحافي في جريدة"الزهرة" و الذي
أصبح من الأثرياء بهدف تشغيله معه في مقر الجريدة، و هكذا توجه في البداية إلى مقر هذه الجريدة، ثم بعدها نحو ڤيلته(منزله)، وهناك سيفاجأ "مهران" بفكر جديد لرؤوف علوان يقدس
المال ولا يكترث للمبادئ والقيم النضالية و الإشتراكية ، كما سيفاجأ برغبته في إنهاء علاقته به
و بخاصة عندما رفض طلب تشغيله وأعطاه فقط مبلغا من المال ، مما اضطر سعيد مهران إلى التفكير في الإنتقام منه ، فقرر العودة مرة أخرى إلى ڤيلته في تلك الليلة لسرقتها لكنه وجد "رؤوف علوان" في انتظاره لأنه كان يقرأ أفكار تلميذه السابق ، فهدده بالسجن واسترجع منه النقود وطرده من المنزل ، فخرج سعيد ليلتها مهزوما ومشاعر الحقد
والانتقام تعربد في بواطنه ، لقد اكتمل إذن ميثاق الخيانة و باكتماله تبدأ رحلة الإنتقام ، وتسود الدنيا في وجهه ولا يجد ملاذا أفضل من مقهى "المعلم طرزان" ، الذي لم يتردد في إعطائه مسدسا سيكون له دور فاعل في عملية الإنتقام ، وفي نفس المكان سيلتقي بصديقته السابقة "نور " التي بدورها و بدافع حبها الشديد له منذ كان حارسا لعمارة الطلبة، ستوفر له المأوى و المأكل والمشرب و الجرائد و السيارة (سيارة ابن صاحب مصنع الحلويات )، ولما توفرت له شروط الإنتقام "المسدس والسيارة" اتجه مباشرة لقتل "عليش سدرة" في منزله لكنه لم ينتبه -بفعل العتمة التي تخيم على المكان- فأطلق النار على الضحية "حسين شعبان" الرجل البريء الذي اكترى شقة "عليش" بعد رحيله، لكن "سعيد مهران" لم يعرف خطأه هذا حتى اطلع على الجرائد في اليوم الموالي ، و في خضم هذه الأحداث استغلت" جريدة الزهرة" بزعامة رؤوف علوان هذه الأوضاع وبدأت تبالغ في وصف جرائم سعيد مهران وتصفه بالمجرم الخطير الذي يقتل بدون وعي حتى تؤلب الرأي العام حوله ، الشيء الذي سيشعل نار الغضب في قلب مهران الذي سيقرر قتل رؤوف خاصة بعدما ساعدته نور في الحصول على بذلة عسكرية (بذلة الضابط)، فيستهل مهمته بالقبض على المعلم "بياظة" بهدف معرفة الإقامة الجديدة لعليش ونبوية لكن بدون جدوى ، و بعدئذ استقل سيارة أجرة ثم اكترى قاربا صغيرا ليتجه صوب قصر رؤوف علوان ، للانتقام منه وفور نزوله من سيارته أطلق سعيد مهران رصاصاته الطائشة في اتجاهه إذ لم يصب إلا "بواب قصر علوان" بدل غريمه،
وأثناء اطلاعه على الجرائد التي أمدته بها نور تعرف على خطئه فأحس بندم شديد ، و اسودت الدنيا في وجهه مع استمرار جريدة" الزهرة" في تحريض و تأليب الرأي العام ضده ، إلى أن انتهت حياته في مكان المقبرة بعد أن حاصره رجال الأمن و طوقوه و أطلقوا عليه الرصاص من كل جانب فاستسلم بلا مبالاة.
* ب- الحبكة:
الحبكة هي النسيج الذي يرصد الأحداث في اتصالها وانفصالها واتجاهاتها، وتنقسم إلى تقليدية تتوالى فيها الأحداث بشكل متسلسل، وأخرى مفككة لا تخضع لتسلسل منطقي، ويبدو أن الحبكة المعتمدة في رواية اللص والكلاب، تقليدية(توفرها على لحظة التنوير) بدليل قيامها على الأسباب المؤدية إلى النتائج، فكل حدث فيها يؤدي إلى حدث و هذا الحدث يتسبب في ظهور حدث آخر وهكذا تقوم الأحداث على مجموعة من الأسباب ، فالخيانة التي تعرض لها سعيد دفعته للانتقام و اكتراء حسين شعبان لمنزل عليش سدرة جعلت الرصاصة تصيبه، ووشاية عليش ونبوية جعلت سعيدا يدخل السجن....
* ج- الرهان:
ينقسم الرهان دائما إلى :
- رهان المحتويات: ويتأسس حول الشخصيات والموضوعات المتنازع عليها.
- رهان الخطاب ويتأسس على علاقة المؤلف مع المتلقي أو علاقة النص مع المتلقي.
وإذا عدنا إلى متن رواية "اللص والكلاب" وجدنا أن رهان المحتوى الذي له علاقة بالشخصيات يتراوح بين الفشل والنجاح، فسعيد مهران يفشل في تحقيق رهانه الكلي المتمثل في تحقيق مشروعه النضالي وتحقيق العدالة الاجتماعية، ويتراجع عن هذا الرهان إلى رهان آخر جزئي وهو الانتقام من خصومه دون أن يحققه، بخلاف غريمه رؤوف علوان الذي استطاع تحقيق رهانه المتجسد في الحصول على الثروة و إن كانت الطريقة فيها نوعا من الوصولية و الانتهازية. أما رهان الخطاب أو النص ككل فيمكن حصره في كون المحاولات الفردية التي أرادت تغيير الواقع انتهت سريعا إلى الفشل ، إذ لا يمكن لفرد مهما أوتي من ذكاء وعزيمة و إصرار أن يغير واقع أمة مهما كان الواقع مأساويا وظالما ، فالتضحيات يجب أن تكون جماعية لكي يتحقق انتصار الخير على الشر ، والحق على الباطل، والعدل على الظلم .
* د- دلالات الحدث وأبعاده :
إن كل الإشارات التاريخية التي وردت داخل رواية "اللص والكلاب" ، تشير إلى أن الرواية لها علاقة بواقع مصر السياسي والإجتماعي لما بعد الثورة المصرية سنة1952م .من هذا المنطلق أمكننا القول و من خلال الأحداث و الوقائع التي وقعت لسعيد مهران والذي وجد نفسه فجأة يعاني من تفكك أسري و فكري ، أن رواية اللص والكلاب رواية تتغيى (تهدف) بأبعادها كشف واقع مصري مهترئ و متصدع يعاني معاناة اجتماعية و نفسية حادة نتيجة السلوك الانتهازي لبعض الأفراد الذين غيروا قناعاتهم النضالية و مواقفهم استجابة لمتغيرات نهاية مرحلة
الخمسينيات والستينيات ونتيجة لإرضاء مآربهم الشخصية، ودمروا بمواقفهم المتغيرة و المتذبذبة أسرا كثيرة وحكموا على الشعب بأكمله بالفاقة و الفقر والجوع والقلق الوجودي و الروحي .
* توقيع الأستاذ : عزيز سشا *
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق