يتضح بعد قراءتنا لبعض المؤشرات النصية " بداية النص + نهايته " و الخارج نصية " العنوان + المصدر ".أن النص ربما يعالج موضوعا يتمثل في بيان علاقة شعر الشاعرين "حافظ إبراهيم" و"أحمد شوقي" بالواقع الاجتماعي المصري في مطلع القرن العشرين، والكشف عن هذا الواقع. ويمكن فحص صحة هذا الموضوع من خلال مجموعة من الموضوعات المتضمنة في النص و الأفكار الجزئية المترابطة فيما بينها، وهي كما يأتي :
· * تأكيد الكاتب وجود علاقة تفاعل نسبي بين الشاعر والواقع الاجتماعي الذي ينتمي إليه.
· * إبرازه الفرق بين رؤية "حافظ" ورؤية "شوقي" لمصر ولواقعها الاجتماعي.
· * ذكره أسباب اختلاف رؤيتي الشاعرين للإصلاح.
· * الإشارة إلى اتفاق الشاعرين في الشكل العام والهدف، واختلافهما في المضمون .
ويتضح مما سبق أن الناقد حلل شعر الشاعرين "حافظ" و"شوقي" باعتماد المنهج الاجتماعي، حيث كشف عن البعد الاجتماعي لشعر هذين الشاعرين، وأبرز علاقته بالواقع المصري الذي أنتج فيه، وبين رؤية كل واحد منهما لمصر ولواقعها الاجتماعي، وذلك من خلال شعرهما.
كما اعتمد في بناء نصه طريقة استنباطية (الانتقال من العام إلى الخاص) جعلته خاضعا لتصميم منهجي محكم، حيث استهل نصه بإبراز العلاقة التي تربط الشاعر عامة بالواقع الذي ينتمي إليه. ثم انتقل بعد ذلك إلى الحديث عن علاقة شعر الشاعرين المصريين حافظ وشوقي خاصة بالواقع الاجتماعي لمصر خلال مطلع القرن العشرين. وختم نصه بالإشارة إلى اتفاق الشاعرين في الشكل العام والهدف رغم اختلافهما في المضمون.
واستخدم الكاتب لغة نقدية تقريرية مباشرة واضحة، تلائم طبيعة النص النقدية، وتخدم غرض الناقد المتمثل في إيصال أفكاره إلى المتلقي وإقناعه بها. كما وظف مجموعة من المصطلحات والمفاهيم النقدية التي تحيل إلى المنهج الاجتماعي المطبق في النص، كالواقع الاجتماعي، والإصلاح، والظواهر الاجتماعية، والشعب.
كما استعان الناقد بعدد من أساليب الحجاج ووسائل الإقناع، مثل الشرح والتفسير (إبراز رؤية حافظ وشوقي لمصر ولواقعها الاجتماعي)، والمقارنة (بين الشاعرين حافظ وشوقي)، والاستشهاد (بشعر حافظ وشوقي)، والتمثيل (بحافظ وشوقي)، والتعليل (لأن هدفهما كان واحدا...)، والإثبات والنفي (كان تركيزه على كشف...وهو لم يغفل...)، والاستدراك (لكنه)، والتأكيد (بأن رؤية – لقد طالب...).
ووظف مجموعة من الوسائل التي حققت للنص اتساقه وتماسكه، وأكسبته قوة تأثيرية وإقناعية، كحروف العطف (الواو، الفاء، أو...)، والأسماء الموصولة (اللائي، التي، اللواتي...)، وحرفيْ التعليل والاستدراك (لأن، لكن...)، وأسماء الإشارة (هذا، هذه، هنا...)، والضمائر (هو، هي، هن...)، والتكرار (الواقع الاجتماعي، المجتمع، مصر...)، والتقابل (التأثير # التأثر – الثبات # الحركة – اتفقا # اختلفا).
وليس هذا النص متسقا فحسب، بل هو منسجم كذلك، وإذا كان اتساقه تحقق بالأدوات الظاهرة المذكورة، فإن انسجامه تحقق بروابط أخرى غير ظاهرة، جعلته قابلا للفهم والتأويل، مثل سياق النص الذي يتمثل في النقد العربي الحديث المنفتح على المناهج النقدية الغربية الحديثة والمتأثر بمناهجه، خاصة المنهج الاجتماعي. وإلى جانب السياق نجد في النص مجموعة من القرائن النصية المحلية التي يؤول بعضها بعضا، والتي تحقق للنص انسجاما خفيا، وفي مقدمة هذه القرائن المصطلحات الموظفة في النص (الواقع الاجتماعي، المجتمع، الشعر...). أما مبدأ التغريض الذي يتحدد بكونه النقطة المحورية التي يدور حولها النص، والتي تعين غرضه، فتتمثل هنا في عنوان النص: "الواقع الاجتماعي في الشعر"، حيث إن غرض الناقد، انطلاقا من هذا العنوان، هو الكشف عن الواقع الاجتماعي في الشعر.
يتضح مما سبق، أن الكاتب حاول في هذا النص النقدي الكشف عن الواقع الاجتماعي في شعر الشاعرين حافظ وشوقي، في مطلع القرن العشرين، وذلك باعتماد المنهج الاجتماعي، واستخدام لغة تقريرية نقدية، وتوظيف أسلوب حجاجي، والاستعانة بمجموعة من الروابط الظاهرة والخفية التي حققت للنص اتساقه وانسجامه.
غير أن المنهج الاجتماعي وإن كان قد مكن الكاتب من الكشف عن الواقع الاجتماعي في شعر حافظ وشوقي، إلا أنه يظل عاجزا عن الإحاطة بالعمل الأدبي من كل جوانبه، لأنه يهتم بجانب واحد من جوانبه، هو جانب المضمون، ولا يلتفت إلى بنية النص الداخلية، وإلى جوانبه الفنية والجمالية التي يعتبرها جوانب ثانوية. و لعل هذا ما نلفيه حاضرا في المنهج النقدي البنيوي الذي يدرس الظاهرة الأدبية من داخلها على أساس أنها نظام متكامل قائم بذاته لا يمكن فهمه إلا في إطار مستوياته البنيوية الداخلية .