1- جرد القوى الفاعلة:
القوى الفاعلة لا تنحصر في الشخصيات فحسب بل تشمل كذلك المؤسسات والأفكار والقيم والمشاعر، وكل شيء يساهم في تحريك الأحداث، وبالعودة إلى المتن الروائي " اللص والكلاب " أمكننا جرد القوى الفاعلة التالية :
أ- الشخصيات : تنقسم شخصيات "اللص والكلاب" إلى : رئيسية وثانوية وعابرة، و سنحاول تقديم خصائصها ومواصفاتها بدءا بالرئيسية و انتهاءا بالشخصيات العابرة.
أ- الشخصيات : خصائصها وصفاتها :
* سعيد مهران :شاب مصري مثقف ، تحمل مسؤولية أسرته منذ الصغر، توفي أبوه وبعده أمه، مؤمن بمبادئ المساواة والعدل و الكرامة والإنصاف ، مناصر للمظلومين والكادحين ، ناضل من أجل تحقيق مبادئ الاشتراكية على أرض الواقع ، حريص على الانتقام من نبوية(طليقته) وعليش اللذان غدرا به وأدخلاه السجن،ومن رؤوف علوان الذي تنكر لمبادئ الحزب والنضال، يعاني من فراغ روحي وقلق وجودي وغربة وضياع، و ظل أسير الحقد والكراهية والانتقام ، و هو رمز للكادحين والفقراء المناضلين من أجل
القيم.
* رؤوف علوان : طالب قروي، مناضل مؤمن بالتغير، له قدرة على التأثير بأسلوبه في محاوريه، أكمل دراسته ثم تحول إلى صحفي ناجح، انتهز الظروف السياسية الجديدة فتحول إلى قلم برجوازي مأجور، تنكر لأصوله الكادحة،ولطبقته،متطلع بشغف للحياة البورجوازية أكلا وملبسا ومسكنا، يشوه الحقائق ويؤلب الرأي العام ضد سعيد مهران و يصوره مجرما خطيرا. و هو رمز للبرجوازية القاسية على الفقراء.
* عليش سدرة : غريم (عدو ) سعيد مهران ،المستفيد من سجنه والمستولي على طليقته وابنته وجميع ممتلكاته ،متحايل و انتهازي خائف على مصيره الشخصي ومتخذ لجميع الاحتياطات حتى لا ينال منه خصمه سعيد مهران..و هو رمز لخيانة الأمانة و الصداقة.
* الشيخ علي الجنيدي : زاهد عابد و متصوف، له انشغالاته الروحية في مقامه ، بعيد عن الواقع المعيش، يحاول تبرير الواقع بالغيبيات لأنه مستفيد من الوضع السياسي السائد، يشكل نوعا من الاطمئنان النفسي والروحي لشخصية سعيد مهران يلوذ إليه دائما في أوقات الشدة ...و هو رمز للتصوف والفكر الديني.
* نور : عنصر مساعد للشخصية الرئيسة سعيد مهران و هي : مومس (بائعة هوى )، قست عليها الحياة الاجتماعية – متوسطة الجمال– مستسلمة لرغبات الزبناء – مغرمة بسعيد مهران وترغب في الزواج به.. وفرت له الطعام و السكن والجرائد والسيارة .. تمثل رمزا للإباحية والقيم المفقودة ..
* المعلم طرزان : صاحب مقهى شعبي – صديق سعيد، وفر له المسدس وأمده بمعلومات هامة ساعدته على الإختفاء عن أنظار رجال الأمن (البوليس).و هو رمز للصداقة القوية..
* نبوية : زوجة سعيد مهران السابقة، وأم سناء أحبها سعيد بصدق وظل يحلم بالاستقرار الدائم إلى جوارها مع ابنتهما " سناء" بعد خروجه من السجن،لكنها تنكرت له وارتبطت بعليش السدرة الخائن .. فهي إذن رمز للخيانة الزوجية.
* سناء : هي موضوع الصراع بين الأب الطبيعي سعيد مهران و زوج الأم عليش سدرة ، لم
تتعرف على أبيها، تبدو خائفة و مضطربة أثناء اللقاء الذي جمعها بوالدها الحقيقي سعيد مهران. فهي إذن رمز للبراءة المغتصبة.
* المعلم بياضة صديق سابق لسعيد و شريك عليش، خان صديقه الأول، وكاد أن يؤدي ثمن هذه الخيانة أثناء لقائه بسعيد مهران الباحث عن المكان الجديد الذي استقر به عليش و نبوية.
ب - المؤسسات: هناك عدة مؤسسات فاعلة في أحداث الرواية ومؤثرة على شخصياتها نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر : السجن باعتباره أول مكان يؤطر فضاء الرواية، أثناء تواجده به حصلت
الخيانة، وتحققت أهداف الانتهازيين، وهناك الصحافة التي أثرت في جهاز الشرطة والرأي العام المنقسم إلى معارض و مناصر لسعيد مهران، ثم هناك المدرسة والجامعة التي شكلت نعمة لرؤوف علوان ومصدر وعي شقي لسعيد مهران..
ج- الجمادات : متنوعة بين الحارة و المقهى ومنزل نور و ڤيلا رؤوف علوان والجبل و المقبرة و الشوارع وعمارة سكن الطلبة و مقام الشيخ علي الجنيدي، والتي تركت آثارها القوية أو الضعيفة في نفسيات شخصيات الرواية، فهي تحتضن أهم الذكريات، لذلك تم استرجاعها أحيانا، أو محاولة نسيانها.. كما هو
الشأن بالنسبة لرؤوف علوان و عليش المتنقل من منزل لآخر خوفا على حياته من انتقام سعيد مهران..
د- القيم والمشاعر: تتنوع هذه القيم والمشاعر بين القناعة و الاستسلام للأمر الواقع ويمثلها الشيخ علي الجنيدي، والانحراف والخروج عن القوانين، و يتجسد ذلك في شخصية المومس نور و المتاجرين في الممنوعات من ذوي السوابق كطرزان و غيره، ثم الرغبة في الغنى والثراء على حساب القيم الأصلية والانتماء الطبقي، ويبرز ذلك جليا في التسلط الطبقي لرؤوف علوان، في مقابل الالتزام الإيديولوجي و الإيمان الصادق بالعنف الثوري المجسد في شخصية سعيد مهران، أما عليش فيمثل أعلى درجات الشخصية الانتهازية التي لم تكتف بسرقة أموال صديقه بل استولى على زوجته و ابنته
وكل ممتلكاته، مما جعل مسألة الانتقام منه و من نبوية تحتل مركز الاهتمام لدى سعيد مهران..
ولعل أهم الشخصيات التي عاشت عدة مشاعر متناقصة ومتضاربة و عميقة هي شخصية
سعيد مهران، لأنه عاش خيانة مزدوجة:
- الأولى اجتماعية من زوجته وصديقه عليش.
-الثانية إيديولوجية ثقافية من طرف أستاذه و معلمه السابق رؤوف علوان الشيء الذي جعله يحس
بالمهانة والخزي والعار أمام أسرته و أصدقائه و ذاته، فقرر الانتقام من جميع الخونة..
وهكذا يظل جرد القوى الفاعلة – شخصية كانت أو مؤسسات (جريدة الزهرة ..)أو جمادات (المسدس+البذلة...) أو حيوانات ( الكلاب البوليسية ) أو قيما و مشاعر (الخيانة..) الحاملة لحركة الفعل التي تمارسها الشخصيات في نطاق الرواية أساسية و جوهرية مهمة في التحليل، لأنها تساهم بطريقة ما من الطرق في تفعيل و إنماء الأحداث و الوقائع و ديناميتها.