المهم أن هذه السمات الجمالية اجتمعت و انتظمت ثم اتسقت، فأكسبت السورة زينتها و بهاءها الوضاح المحلى ، فحق بالأنفس الطاهرة الزكية و هي تغوص في سبحاتها العلوية أن تتسنم ذروة الارتقاء الأريحي حيث ترشُف من حوض الوحي المصفّى ، و حيث تلفي كينونتها الأصيلة ، موطنها الخالد و مُقامها المزهر الفسيح ، فكيف للروح أن تتقزز و لا تنساب إيمانا و سماحة و هي تُصقل بهذا الكلام العظيم ؟ وكيف للقلب أن يجفو و لا يعتصر حبا و دماثة و هو يلقى هذه الرسالة العصماء ؟ و هذا الإعجاز الباهر الخلاق ، المُنبعث من سدرة المنتهى حيث البيت المعمور و السقف المرفوع ، و حيث ما لا عين رأت و لا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
لحظات نورانية إذن ، و أصداء إيمانية تعكسها السورة بخطاب عذب تنفطر له الأفئدة خنوعا ، و تتفصد له الجباه تذللا و انصياعا..
أحداث خارقة و أنباء معجزة ترسم في وضوح تام الحركات الطليقة للروح الأمين جبريل عليه السلام ، و هو يعنّ متجليا في الأفق ، و يدنو متدلّيا ليبسط ظلاله الملائكية الوارفة على ذلك الوجه الشريف المصطفى و ليلقن رسول رب العالمين وحيا من ربه . و لقد جسدت السورة الكريمة ذلك في إطار منغم عجيب ونظم بديع .
و كما خاطبت السورة برفق و لين ، دمدمت أيضا على أولئك المشركين الأفظاظ بخطاب كثيف صارخ الدوي ، يصخ الآذان الجاهلية و يزمجر النفوس المرَضيّة المشركة ، و ينفث في الكيان البشري الكنُود زعزعة و ارتعاشا ، و في المقابل يدعو المتقين المُخْبتين باللّواذ إلى ربهم و الارتكان إلى جنابه المتين الذي لا يخذل أحدا من عباده ، و لا يضيم المؤمنين الموحدين الساجدين . شأن السورة في ذلك شأن سائر السور المكية على الإطلاق ما فتئ المخاطب المشرك ذو حميّة أعرابية تطبعها الجهالة و الكفر ."
-توقيع ذ.عزيز سشا -
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق